خلال فترة استمرت لمدة عامين، تم تنفيذ مفهوم جديد يتعلق بدفع رواتب الموظفين في القطاع العام بالدولار. وافق الموظفون على هذا الاقتراح بناءً على اعتبار أن دفع الأجور بالدولار سيمنع تدهور قيمة رواتبهم بسبب التضخم. على الرغم من أن رواتبهم تضاعفت بمعدل سبع مرات، انخفضت قيمتها بالدولار إلى متوسط 200 دولار مقارنة بـ 750 دولارًا قبل حدوث الأزمة. ويجدر بالذكر أن هذه الدولرة لا تعوض سوى ما يقرب من 10٪ من قيمة الراتب الأصلي للموظف، ويتم تنفيذ هذا الدعم من خلال مصرف لبنان نظرًا لتفادي السلطات معالجة الأزمة بشكل جذري، بما في ذلك التعامل مع الخسائر والعقود والأجور. بدلاً من ذلك، تم تنفيذ فكرة "المساعدة الاجتماعية" بهدف تهدئة مطالب الموظفين وتقليل أي تداعيات سلبية محتملة، مما أدى إلى تقليص أيام العمل في الإدارات العامة إلى ثلاثة أيام في الأسبوع على الأكثر.


 



في ميزانية عام 2018، كانت الأجور تمثل 22٪ من إجمالي النفقات، ولكن في مشروع ميزانية عام 2023، انخفضت هذه النسبة إلى 16.7٪، ومن ثم تناقصت إلى 9.8٪ في مشروع ميزانية عام 2024. بلغ إجمالي الأجور والرواتب في ميزانية عام 2018 حوالي 5224 مليار ليرة، وارتفعت إلى 30486 مليار ليرة في 2023، ثم تناقصت إلى 29630 مليار ليرة في 2024. عند تحويل هذه الأرقام إلى الدولار، نجد أن قيمة الأجور بلغت حوالي 3.4 مليار دولار وتناقصت بنسبة تزيد عن 10 مرات إلى 342 مليون دولار، ثم إلى 332 مليون دولار. تدهورت القوة الشرائية لهذه الأجور بشكل كبير نتيجة التضخم الذي بلغ 4110٪ في الفترة بين نهاية عام 2019 ونهاية تموز 2023، مما أدى إلى فقدان الأجور أكثر من 97٪ من قيمتها بعد التصحيح.

وعلى الرغم من هذه الزيادة الهائلة في الأجور بالليرة، إلا أن "دولرة" الرواتب لم تعوّض الخسائر التي لحقت بها خلال فترة الأزمة. بدلاً من ذلك، تم تسويق هذا الإجراء على أنه يخدم مصلحة الموظفين، لكن في الواقع، يسهم في تقليل حقوقهم في التعويضات والمعاشات. وعلى الرغم من ذلك، تعتبر هذه "المساعدة الاجتماعية" غير مستدامة، حيث يتعين دائمًا توفير الدولارات للسداد، وهو ما يتطلب تدفق نقدي مستدام بالعملة الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن سعر الصرف الرسمي في منصة صيرفة لبنان يقترب من سعر السوق السوداء، مما يثير تساؤلات حول جدوى استمرار دفع الرواتب بالدولار.

في الختام، يبدو أن "دولرة" الرواتب ليست الحلا الأمثل لمشكلة الأزمة الاقتصادية في لبنان، خاصةً وأن الدولة لم تتخذ أي إصلاحات جذرية في القطاع المصرفي أو آليات الدفع. يجب على السلطات النظر في السياسات النقدية والاقتصادية بعناية والبحث عن حلاً أكثر استدامة للأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد.


المصدر : الأخبار