أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارًا في مطلع ايلول 2023 يقضي بعدم دستورية اتفاقية خور عبدالله لتنظيم الملاحة البحرية في الممرّ المشترك بين الكويت والعراق. أثار القرار غضب الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، واعتبرته الكويت محاولة من العراق لإعادة رسم الحدود بين البلدين. ,يرى مراقبون أنّ القرار العراقي محاولة من التيار الصدري، الذي يسيطر على الحكومة العراقية، لتعزيز نفوذه في الخليج. كما يرون أنّ القرار قد يقود إلى أزمة خليجية جديدة.


مع دخول العلاقات بين الكويت والعراق في مرحلة جديدة مع صدور قرار من المحكمة الاتحادية العليا في العراق في بداية شهر ايلول الجاري، والذي أكد على عدم دستورية اتفاقية خور عبدالله لتنظيم الملاحة البحرية في الممر المشترك، عبر الجميع عن تفاؤلهم بأن العلاقات الوثيقة بين حكومتي البلدين ستسهم في حل الأزمة والعثور على حلول لها. تم اعتبار قرار المحكمة ناجمًا عن أخطاء إجرائية في تصديق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية، وبالتالي يمكن تصحيح هذه الأخطاء دون الحاجة لإلغاء الاتفاقية.

وما كان للجميع أن يكتشفوا هو أن المحكمة العراقية اعتمدت على الرواية العثمانية لتقديم توجيهاتها في هذه القضية. بدأت المحكمة في سرد الخلفية التاريخية للعلاقة بين الكويت والبصرة تاريخًا يعود إلى عام 1546، حيث كانت البصرة تحت السيطرة العثمانية وكانت الكويت تابعة للأحساء. ولم تكن الحكومة العثمانية تمتلك أي نية للسيطرة على شرق الجزيرة العربية حتى عام 1869، عندما تولى مدحت باشا ولاية بغداد. في الوقت نفسه، كانت بريطانيا تسعى لتوسيع نفوذها في الساحل الجنوبي للخليج العربي.

وفي عام 1871، أصدر مدحت باشا فرمانًا سلطانيًا أعلن فيه أن الكويت تابعة لمتصرفية الأحساء ومنح شيخ الكويت لقب قائمقام، وألزمت الكويت برفع العلم العثماني على سفنها. وفي نفس العام، أعلنت الحكومة العثمانية البصرة ولاية مستقلة عن بغداد، وشملت الكويت والأحساء ضمن حدودها.

إن هذه الرواية التاريخية العثمانية للمحكمة العراقية تثير تساؤلات حول العلاقة بين الكويت والعراق على مر العصور، وتظهر كيف تم توجيه النظرة إلى التاريخ لفهم النزاع الحالي. يظهر أن هناك تاريخًا معقدًا للتوترات والمطالبات بين البلدين، وأن هذه الأحداث تمثل نقاط تحول في تطور العلاقة بينهما. ومن المهم أن نفهم هذا التاريخ لفهم السياق الحالي والجهود المبذولة لحل الأزمة.

الرواية العراقية والغضب الكويتي

بقي الوضع بين شدّ وجذب حتى عام 1990 عندما قام نظام صدّام حسين بغزو الكويت.

في ذلك العام، انتهى "التأريخ" من قبل المحكمة الاتحادية العليا العراقية، على اعتبار، افتراضاً، أنّ الحقبة اللاحقة بين 1990 و2023 معروفة للأجيال الحالية.

أثارت هذه الرواية التاريخية غضب الكويت، التي استدعت يوم الجمعة الماضي، وهو يوم عطلة رسمية، السفير العراقي وسلّمته مذكّرة احتجاج رسمية "على ما ذكر في حيثيّات" الحكم، في إشارة إلى اعتراض الكويت على الادّعاءات الواردة فيه، وليس فقط على ما تضمنّه من عدم دستورية اتفاقية خور عبدالله.

انتقل وزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح سريعاً إلى نيويورك، مستغلّاً فترة انعقاد الجمعية العامّة للأمم المتحدة، فالتقى في الأيام القليلة الماضية كبار المسؤولين الأميركيين والمسؤولين في الأمم المتحدة، على اعتبار أنّ الاتفاقية تمّ التصديق عليها من قبل البلدين، وإيداعها لدى الأمم المتحدة.

فجر الإثنين الماضي، عُقد اجتماع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون في نيويورك، خلصت نتيجته إلى دعوة العراق إلى "اتخاذ خطوات جادّة وعاجلة لمعالجة الآثار السلبية لهذه التطوّرات، التي ترتّبت على حكم المحكمة الاتحادية العليا (…) وما تضمّنه من حيثيات تاريخية غير دقيقة خارج السياق".

أكّد الوزراء أنّ "هذه التطوّرات لا تخدم العلاقات مع دول مجلس التعاون، وتخالف المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن 833".

هكذا تحوّلت الأزمة من كويتية - عراقية إلى خليجية - عراقية، وسط تساؤلات عن الجهة التي تقف وراء افتعال أزمة لا مبرّر لها، خاصة أنّ العلاقات بين الكويت والعراق كانت تنحو باتجاه الإيجابية، وآخِرة الخطوات كانت زيارة وزير الخارجية الكويتي لبغداد في نهاية تموز الماضي.

تقول مصادر مطّلعة: "لطالما كان الجمر كامناً تحت الرماد في العلاقات بين الكويت والعراق، ولطالما سعت الحكومات المتعاقبة في البلدين منذ عام 2003 إلى فتح صفحة جديدة ومعالجة رواسب الماضي بحكمة وحنكة وعلى أساس مصالح البلدين المشتركة، لكنّ جهةً ما قرّرت الآن نفخ الرماد من فوق الجمر".

تضيف المصادر: "إذا أردنا أن نعرف من هي تلك الجهة، فعلينا العودة سنة إلى الوراء، واستذكار تظاهرات التيار الصدري أمام المجلس الأعلى للقضاء العراقي، على خلفيّة الاتّهامات بتسييس القضاء وتدخّل جهات إيرانية نافذة في عمله".

 


المصدر : اساس ميديا