5 رهائن أميركيين خرجوا من السجون الإيرانية، مقابل 5 سجناء إيرانيين أطلقت أميركا سراحهم. فهل انتهت المشكلة؟ وهل يشكل اتفاق التبادل هذا جزءاً من مفاوضات أكبر لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015؟ والأهم، برأي الجمهوريين، هل سيكون النظام الإيراني حراً، حسبما قال الرئيس الإيراني، في صرف المليارات الـ6 التي حررها نظيره الأميركي بموجب الصفقة، لتُصرف حصراً على الغذاء والدواء لا على السلاح والميليشيات التابعة لإيران؟


كتب شربل أنطون في "الحرة":

برنامج "عاصمة القرار" من الحرة بحث تفاصيل وظروف وآفاق صفقة تبادل الرهائن بين واشنطن وطهران، مع ضيوفه: نايل غاردينر، مدير برنامج في "مؤسسة هيريتدج" الأميركية. وإدوارد جوزيف، الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن. كما شارك في جزء من الحوار، من طهران، الباحث الإيراني صالح القزويني .

ملف من عمر ثورة الخميني

يحتل ملف الرهائن، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، مساحة مهمة في الصراع الإيراني الغربي منذ 44 عاماً. فباكورة أعمال النظام كانت باحتلال طلاب ثورة الخميني للسفارة الأميركية في طهران في 4 نوفمبر 1979، واعتقال 52 دبلوماسياً أميركياً لمدة 444 يوماً، وهي القضية التي انتهت بتحرير الرهائن الأميركيين بوساطة جزائرية في 20 يناير 1981، أي يوم تسلّم الرئيس الجمهوري رونالد ريغان مهامه الدستورية، خلفاً للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، الذي قضت إيران على حظوظ إعادة انتخابه.

والآن، تمت صفقة الثامن عشر من سبتمبر الجاري عبر وساطة دولة قطر وسلطنة عمان. ويقضي الاتفاق، إضافة للإفراج عن المعتقلين، بالإفراج عن ستة مليارات دولارات هي أرصدة إيرانية مجمدة لدى كوريا الجنوبية منذ عام 2018، وأودعت الأموال في حساب خاص في الدوحة، وستُصرف على الغذاء والدواء، باشراف قطر ووزارة الخزانة الأميركية.

ويصف نواب وخبراء أميركيون النظام الإيراني بأنه "نظام احتجاز رهائن". فاحتجاز مواطنين غربيين لأجل كسب المال هي معادلة النظام الإيراني الرابحة مع أميركا والغرب.

أين ستذهب المليارات الـ6؟

يقول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن: "لسوء الحظ، وجد النظام الإيراني دائماً طريقة لإنفاق الأموال على الأعمال الشائنة التي يتورط فيها. لقد فعلوا ذلك قبل العقوبات، وأثناء العقوبات، وبعد العقوبات. وهذا سوف يستمر. لكن ما نواصل القيام به هو: أولاً، التأكد من أننا نتخذ اجراءات، مع فرض عقوبات عندما تتصرف إيران في أيّ مكان بطريقة خطيرة ومزعزعة للاستقرار وتدعم الإرهابيين، ونتخذ إجراءات مع فرض قيود على السفر، وأيضاً، نتخذ إجراءات مع الدول الأخرى لمعاقبتهم".

وفي الكونغرس انقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن الصفقة، بل  تعدّى الانقسام مسألة تبادل الرهائن إلى البحث في أهلية إدارة الرئيس جو بايدن لإدارة العلاقات مع إيران.

ويقدم النائب الديمقراطي جايسون كرو هذه التفاصيل بشأن الصفقة "لتصحيح الإلتباس"، كما يقول: "ما حصلت عليه إيران ليست أصولا مجمدة من قبل الولايات المتحدة، بل أموال من صندوق في إطار اتفاق أبرمته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مع دول عدة، مما سمح لها بشراء النفط الإيراني مقابل المعدات الطبية والأغذية والأدوية. ما فعلته إدارة بايدن هو إدراج قيود إضافية على كيفية إنفاق هذه الأموال، بالإضافة إلى القيود المفروضة سلفاً. وأن تكون هناك مراقبة من قبل وزارة الخزانة لضمان أن هذه الأموال سيتم إنفاقها للأغراض المخصصة لها".

لكن، يبدو أن التفسير الديمقراطي لم يُقنع الجمهوريين. ويقول النائب الجمهوري مايكل مكول ، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: "إنهم (إدارة بايدن) ساذجون جداً، ولا يعرفون كيف يقومون بمفاوضات استرداد رهائن. ويقولون لأغراض إنسانية فقط. نعلم جميعا أن المال قابل للاستبدال. وقد قال رئيس إيران للتو: سأنفق الأموال كيفما أريد. وهو سيفعل ذلك. سوف تذهب الأموال لدعم عمليات إرهابية بالوكالة. وسوف يستخدمون الأموال في بناء برنامجهم النووي، الذي هو برنامج هجومي لا دفاعي، نظام هجومي لحرب نووية".

"سيكون لهذه الصفقة تأثير ضار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد بدأ ذلك.  تخيلوا ماذا سيفعل النظام الإيراني بستة مليارات دولار قبضها من جراء هذه الصفقة الساذجة".

وبين دفع "فدية" للنظام الإيراني، و"واجب" أيّ إدارة في تحرير مواطنين أميركيين، انقسم الباحثون الأميركيون بشأن الصفقة،  بحسب لونهم السياسي.

يقول نايل غاردينر، إن قرار الرئيس بايدن باتمام هذه الصفقة "قرار خاطئ، مفعم بالمجازفة وخطير على مصالح واشنطن، وسيشجع كل الأنظمة الإرهابية على احتجاز رهائن أميركيين في المستقبل".

ويرى الباحث الأميركي أن قرار إدارة بايدن دفع 6 مليارات دولار لإيران هو "فدية دفعتها واشنطن لنظام إرهابي".

بالمقابل، يعتقد إدوارد جوزيف، أن قرار الرئيس بايدن إتمام هذه الصفقة مع إيران "قرار صعب، لكن بايدن اتخذ قراره لدوافع إنسانية بضرورة تحرير أميركيين معتقلين ظلماً وفي ظروف سيئة في إيران".

ويضيف الأستاذ الجامعي الأميركي: "كلنا نعرف أنه لا يمكن الوثوق بالنظام الإيراني، لكن تفاصيل الاتفاق لا تسمح للنظام الإيراني بوضع يده على الأموال".

ومن جهته يقول الباحث الإيراني صالح القزويني، إن الاتفاق بمثابة "وقف إطلاق نار بين طرفين متحاربين. فيما يسعى كلّ منهما للحصول على تنازلات أكثر من الطرف الآخر".

وتخوفت الصحافة الأميركية من أن تؤدي صفقة التبادل إلى تشجيع النظام الإيراني على احتجاز المزيد من الأميركيين مستقبل.

وتساءلت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال: "كيف سيتمكن بايدن من منع إيران من انتزاع فدية في المستقبل بعدما دفع لها 6 مليارات دولار"؟

وتضيف أن إدارة بايدن "لن تستطع منع النظام الإيراني من أخذ رهائن جدد في المستقبل، لأن هذه هي طريقته المربحة في العمل مع واشنطن والغرب. وستستمر الأنظمة المارقة والبلطجية في خطف وسجن الأميركيين، حتى يخشون من أن تكون مخاطر القيام بذلك أكبر من الفدية التي يسعون إليها. لذلك على بايدن والدول الغربية تهديد النظام الإيراني وأمثاله من مغبة خطف أميركيين وغربيين في المستقبل. وكذلك على بايدن تحذير الأميركيين من خطورة الذهاب إلى إيران، وبأنه لن يدفع فدية مرة أخرى للنظام الإيراني لتحرير أي أميركي محتجز لديه".

وعنونت الواشنطن بوست افتتاحيتها: "صفقة الأسرى مع إيران تواصل دورة بائسة من احتجاز الرهائن".

وتشير الافتتاحية إلى أن صفقة تحرير الرهائن الأميركيين من إيران "تدل على طبيعة الحكم الاستبدادي في طهران، الذي يهتم قليلاً بالقانون وبحياة الإنسان. هذا النظام الإيراني الذي يستمر في احتجاز الرهائن برعاية الدولة، وهي ممارسة بربرية تزدهر على المكافآت والتنازلات من الولايات المتحدة ودول أخرى".

وتضيف الصحيفة أن الولايات المتحدة "تعتمد البراغماتية لتحرير مواطنيها، لكن هذه الأنواع من الصفقات تُكافئ الأنظمة المارقة مثل روسيا وإيران وفنزويلا وسوريا، التي تعتبر الإنسان سلعة للتداول".

وتختم الصحيفة بدعوة المسؤولين الأميركيين إلى "عدم الانخراط مجددا في مفاوضات تحرير رهائن من إيران أو غيرها، رغم صعوبة اتخاذ هكذا قرار. وأيضاً، الانتباه إلى خطورة تحالف النظام الإيراني مع الرئيس  الروسي في حربه على أوكرانيا إن فكّرت إدارة بايدن في إحياء المفاوضات بخصوص الاتفاق النووي مع إيران".

وفي جدال يعكس السياسة الحزبية الأميركية، بمساهمة مسؤولين سابقين في إدارة ترامب، انقسم خبراء واشنطن بشأن الصفقة، فكتب وزير الخارجية السابق مايك بومبيو: "ليس مفاجئا أن يعارض أغلب الأميركيين تقديم بايدن 6 مليارات دولار أميركي للإرهابيين. سيصبح المزيد من الأميركيين رهائن بعد موافقة إدارة بايدن على دفع أموال للإرهابيين".

وفي إطار الجدال نفسه، كتب خبير ديمقراطي بارز، هو جو سيرينسيوني:  "أفرجت إيران عن المواطنين الأميركيين الذين سجنتهم ظلماً. وبينما يسافرون إلى الحرية ، يهاجم الأيديولوجيون اليمينيون إدارة بايدن التي حررتهم. أعتقد أن هذا الاتفاق هو انتصار دبلوماسي كبير للولايات المتحدة وأفضل صفقة يمكن أن نحصل عليها".

هل يحدث تقدم بإحياء الاتفاق النووي؟

تعتبر نادين إبراهيم، في موقع شبكة "سي إن إن"، أن اتفاق تبادل السجناء بين واشنطن وطهران، "مثال على تفاهمات غير مكتوبة تسمح للطرفين بالقيام بتنازلات في غياب تفاهم كبير، على غرار الاتفاق النووي المبرم عام 2015. لكن ذلك غير كافٍ لإذابة جليد الخلاف بين الطرفين، لأن طبيعة العلاقات الثنائية لم تتغير".

ولا يتوقع إدوارد جوزيف "إي اختراق دبلوماسي بين أميركا وإيران في المفاوضات بشأن الملف النووي. لأن بايدن أعطى فرصة لإحياء الاتفاق الذي انسحب منه ترامب، لكن النظام الإيراني رفضها بشروطه التعجيزية. وها هو بايدن اليوم يفرض عقوبات على (الرئيس الإيراني الأسبق) محمود أحمدي نجاد وغيره بالتزامن مع تبادل الرهائن".

من ناحيته يعتبر نايل غاردينر أن "الاتفاق النووي ميّت ولا يمكن إحياؤه، رغم الثغرات الكثيرة في استراتيجية بايدن تجاه إيران".

ويقول بريت ماكغور، منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي: "إن صفقة تبادل السجناء ليست مرتبطة بالدبلوماسية النووية مع إيران. لقد أوضحنا لإيران مراراً وتكراراً، وبعبارات لا لبس فيها، أن الدبلوماسية لا يمكن أن تتقدم بشكل هادف إذا تم احتجاز مواطنين أميركيين ظلماً، وإذا كانت إيران تصعد الصراعات في المنطقة، وتزود روسيا بطائرات من دون طيار في حربها على الشعب الأوكراني. المحادثات النووية مع إيران متوقفة حتى الآن، وبينما لن نغلق الباب أمام الدبلوماسية تماما، فإننا مستعدون أيضا لأي ولجميع الحالات الطارئة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي. هذا الاتفاق لا يغير علاقتنا مع إيران. إيران دولة راعية للإرهاب. وسنحاسبهم حيثما أمكن ذلك. وقد فرضنا مؤخراً 30 تصنيفاً جديدا للعقوبات، وهذا سيستمر".

يعتقد بعض الخبراء في واشنطن أن صفقة تبادل الرهائن مع إيران قد تفتح الباب لمزيد من الدبلوماسية بين البلدين، لكن ذلك "لن يصل لحد إحياء" الاتفاق النووي لعام 2015. فهل يسمح "الباب المفتوح قليلاً" للوسطاء العرب بإتمام صفقات "صغيرة" بين واشنطن وطهران تتعلق بقضايا شرق أوسطية عالقة؟.


المصدر : الشفافية نيوز