تميز لبنان بلقب "لبنان الأخضر" على مر العصور، وذلك نتيجة تنوع مناطقه وتضاريسه الخلّابة التي اشتهرت بغاباتها وأشجارها المعمرة. يزين علم لبنان شجرة الأرز الباسقة، رمز الأمان والثراء الطبيعي للبلاد. ولكن على مر العقود الأخيرة، شهدت لبنان فقداناً مؤلماً لجزء كبير من هذا الإرث البيئي الثمين نتيجة اندلاع حرائق الغابات بشكلٍ متزايد. يمكن أن تُنسب هذه الزيادة في اندلاع الحرائق إلى عوامل متعددة، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المتزايد، بالإضافة إلى غياب إدارة فعّالة للموارد الحرجية وقلة إمكانيات إطفاء الحرائق.


لكن على الرغم من هذه التحديات البيئية المستمرة، بدأت تظهر بعض المؤشرات الإيجابية خلال السنوات الأخيرة. توجيهات وإجراءات وقائية جديدة تم تنفيذها بالتعاون بين العديد من الجهات لتعزيز القدرة على التصدي للحرائق والتحكم فيها. في هذا السياق، يتحدث الدكتور جورج متري، مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، عن الوضع الحالي لحرائق الغابات في لبنان والتوقعات المستقبلية.

ما هو وضع حرائق الغابات في لبنان لموسم 2023؟

إن وضع حرائق الغابات في لبنان لهذا الموسم ليس سيئًا مقارنة بالأعوام السابقة خلال نفس الفترة. حتى نهاية شهر سبتمبر 2023، تم تقدير مساحة الأراضي التي اجتاحتها الحرائق بحوالي 551 هكتارًا. وعلى الرغم من ارتفاع عدد الحرائق وظروف الطقس الجافة التي تساهم في انتشار الحرائق، إلا أننا لم نشهد حرائق كبيرة نسبيًا خلال هذا الموسم. هذا الأمر يعزى جزئيًا إلى الخطة الوطنية للطوارئ التي تم إطلاقها من قبل وزارة البيئة في عام 2022، والتي أسفرت عن تحسن ملحوظ في السنتين السابقتين. في عام 2022، انخفضت المساحة المتضررة بنسبة تصل إلى 90٪، وبلغ تقليل المساحة المتضررة حتى نهاية صيف 2023 نسبة 87٪ بالمقارنة مع معدلات الحرائق في السنوات السابقة، مثل 2019 و2020 و2021. هذا يمكن أن يُعزى جزئيًا إلى التدخل السريع والجهود المبذولة من قبل فرق الاستجابة الأولى.

كيف تقارن الوضع بالسنوات الماضية؟

بالنسبة للمقارنة بالسنوات السابقة، يمكن القول إننا لا نزال داخل نطاق الأمور المقبولة نسبيًا خلال نفس الفترة من السنوات السابقة. ومع ذلك، هناك احتمال لمواصلة موسم الحرائق لبضعة أسابيع إضافية، وذلك حسب درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار. لمثل هذا الوضع، يجدر بنا أن نتذكر أعوامًا سابقة كانت فيها الحرائق تجلب مأساة كبيرة للبلاد. في عام 2019، شهدنا حرائق كارثية في منطقة المشرف القريبة من بيروت، أدت إلى دمار مساحة تقدر بحوالي 3000 هكتار. في عام 2020، دمرت الحرائق حوالي 7000 هكتار، وكان الجزء الكبير منها حرائق عشبية في منطقة عكار. أما في عام 2021، فتضررت مساحة نحو 2700 هكتار، وجزء كبير منها كان نتيجة أكبر حريق سُجل في ذلك العام في منطقة القبيات، عندقت، وأكروم، حيث فقدنا 1500 هكتار خلال ساعات قليلة. منذ عام 2019، بدأت الحرائق في التوسع إلى المناطق الجبلية العالية التي تحتضن غابات الأرز والشوح واللزاب، وذلك نتيجة لتأثير التغيرات المناخية التي تزيد من الجفاف في هذه الغابات. يجب الإشارة إلى أن الأمراض والآفات الضارة أيضًا بدأت تنتشر في هذه المناطق بشكل أكبر بسبب نقص التغطية الثلجية على هذه الغابات ونقص الأمطار.

ما هي الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرائق؟

السبب المباشر الأساسي وراء اندلاع حرائق الغابات هو استخدام النيران بواسطة السكان والمزارعين لتنظيف الأراضي والتخلص من النفايات الزراعية والمخلفات النباتية والأعشاب. هذا يشكل تهديدًا كبيرًا للغابات المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام المفرقعات والأسلحة النارية يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرائق، وغالبًا ما تكون صعبة الوصول إليها ومكافحتها. ويشمل السبب المباشر الآخر حرق النفايات في المكبات العشوائية المنتشرة في العديد من المدن والبلدات. بالإضافة إلى ذلك، هناك حرائق متعمدة أحيانًا تحدث بغرض التخريب أو تحويل استخدامات الغابات المحترقة. وعلى الصعيدين المباشر وغير المباشر، يتسبب تداخل الأراضي الزراعية مع الغابات والتوسع العمراني العشوائي في زيادة خطر اندلاع الحرائق. إلى جانب كل هذه الأسباب، تساهم التغيرات المناخية العالمية في زيادة تأثيرات الجفاف وزيادة اندلاع وانتشار الحرائق بشكل أكبر.

ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها للتعامل مع هذا المشكلة؟

على المستوى الوطني، قامت وزارة البيئة في لبنان بتطوير خطة طوارئ لإدارة خطر الحرائق وبدأت في تنفيذها على أرض الواقع. تم تحديث خريطة المخاطر الوطنية للحرائق، حيث تم تحديد 15 منطقة ساخنة تعرضت لأعلى مستويات الخطر. وتركز هذه المناطق على إنشاء فرق استجابة سريعة تعمل على التنبيه المبكر ومكافحة الحرائق في مراحلها الأولية. بالإضافة إلى ذلك، تم تحديث الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات وتم تمريرها. توضح هذه الاستراتيجية الأدوار والمسؤوليات للجهات الرسمية والوزارات المعنية بمكافحة الحرائق.

مع هذا، هناك جهد كبير لزيادة التوعية بخطر الحرائق، وذلك من خلال التعاون مع المجتمعات المحلية والبلديات والجمعيات. تم تشكيل فرق تطوعية تعمل بشكل منتظم وتتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يساعد في نشر الوعي بأهمية الوقاية من الحرائق. ومع ذلك، تبقى قدراتنا في التعامل مع هذا التحدي محدودة بسبب نقص المعدات والكوادر البشرية والخبرات المختصة في مجال مكافحة الحرائق. تعتبر هذه الجهود الإضافية خطوة مهمة نحو التصدي لمشكلة الحرائق في لبنان. وبالنظر إلى تزايد التغيرات المناخية وزيادة التطرفات في أحوال الطقس، فإن تطوير برامج متكاملة للوقاية وإدارة الغابات بشكل مستدام، بالإضافة إلى تعزيز قدرات مكافحة الحرائق، يعتبر ضرورة ملحة. ومن الواضح أن هذا المجال يحتاج إلى دعم دولي وتعاون دولي لتطوير البنية التحتية وتقديم التدريب والمعدات اللازمة لمواجهة التحديات المتنوعة لمكافحة الحرائق.

نحن بانتظار انقضاء موسم الحرائق الحالي ونأمل في تحسين الإمكانيات وتعزيز الجهود للحفاظ على الثروة الطبيعية والبيئية القيمة في لبنان.


المصدر : الشفافية نيوز