يعيش لبنان حالة من القلق والخوف من اندلاع حرب واسعة النطاق مع إسرائيل، وذلك بعد تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية بين البلدين.


المشهد اللبناني بصورة عامة، ثابت منذ بداية الحرب على غزة، في نقطة الرصد لمجرياتها، تتجاذبه مخاوف كبرى من أن تتمدّد هذه الحرب الى لبنان، وخصوصاً مع تصاعد التوتر والتراشق الصاروخي والمدفعي على الحدود الجنوبية، والتهويل الإسرائيلي بحربٍ غير مسبوقة في قساوتها على لبنان، في مقابل تكثيف «حزب الله» لعملياته العسكرية ضد مواقع جيش العدو، وتأكيده على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم أمس، بأن الأميركي والإسرائيلي لا يعلمان ما تخبئه الأيام المقبلة».


المخاوف الداخلية، ترافقت مع نزوح كثيف للمواطنين اللبنانيين من منطقة الجنوب الى مناطقَ لبنانية أخرى يعتبرونها أكثر أماناً، وبعض القرى الجنوبية باتت شبه خالية من سكانها، وذلك خشية من تدهور الأوضاع، فالناس معذورة ربطاً بالعديد من التجارب السابقة التي مرّت بها.
 وفي موازاة هذه المخاوف، تتبدّى حالة رافضة للدخول في حرب، ليست محصورة بفئةٍ معينة من اللبنانيين، بل هي شاملة غالبية الشّعب اللبناني بكل فئاته.


تلك المخاوف يضاف اليها الرفض للحرب، تجمع المقاربات والقراءات السياسية والأمنية على اعتبارها مبرَّرة تبعاً للتجارب الحربية السابقة ونتائجها المدمِّرة. إلا أن اللافت للانتباه في هذا السياق أن القراءات التي غلّبت في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، إحتمال إشتعال جبهة الجنوب اللبناني، فرضت عليها الوقائع العسكرية التي شهدتها جبهة الحدود من مزارع شبعا الى رأس الناقورة، التدرّج العكسي في موقفها بحيث باتت تنظر الى اشتعال هذه الجبهة كاحتمالٍ ضعيف. مستندةً بذلك الى مجموعة أسباب:

أولاً، إعلان اسرائيل منذ بداية الحرب، وعلى لسان مستوياتها السياسية والعسكرية أنها لا تريد مواجهة مع لبنان. وينبغي هنا لَحظ أن إسرائيل بادرت في إجراءٍ احترازي الى إخلاء مستوطناتها على الحدود، تجنّباً لوقوع اصابات بينهم تضطرّها الى الرد على مناطق آهلة بالسكان في الجانب اللبناني، ما يدفع "حزب الله" الى الرد وتطوّر الأمور.

ثانياً، الاندفاعة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لمنع اشتعال جبهة الجنوب. ويبرز هنا ما كشفته وكالة «تسنيم» الإيرانية في الساعات الماضية من أن جهات في محور المقاومة تسلّمت رسالة أميركية تؤكّد أن لا نية لواشنطن بفتح جبهاتٍ جديدة.

ثالثاً، موقف الدولة اللبنانية ومستوياتها السياسية التي أكدت الالتزام بالقرار 1701، وضرورة الحفاظ على الاستقرار على الحدود، وأن خطر اندلاع الحرب مصدره إسرائيل وليس لبنان.
 
رابعاً، لا إجماع لبنانياً على الحرب، والمنطق الغالب هو أن لبنان في وضعٍ كارثي على المستويات كافة، ولا يحتمل أي ضررٍ إضافي ولا قدرة له على مجاراة أي حرب أو دفع أي ثمن فيها حتى ولو كان متواضعاً.

خامساً، «حزب الله» دخل في الحرب من دون أن يدخلها، بحيث أنه وازَن بين ما يسميه واجبه بنصرة المقاومة الفلسطينية في غزة، وبين قراره غير المعلن بعدم توتير الداخل اللبناني وعدم التسبب بأيّ ضررٍ فيه، حيث أنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، رسّم حدود مواجهته مع اسرائيل بعمليات مدروسة ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها من دون توسيع نطاقها، بدليل أنه يقوم بعملياته من ضمن ما تسمّى المناطق المفتوحة، واستهداف المواقع العسكرية، وهو أمرٌ كلّفه سقوط العديد الكبير من الشهداء، متجنباً بذلك عدم تعرّض المدنيين للقصف الإسرائيلي. وكان في مقدوره أن يطلق صواريخه ويقوم بعملياته من داخل القرى أو من بُعدٍ قريب منها، ويحتمي بالأبنية ما يجنُّبه سقوط الشهداء في صفوفه، إلا أن ذلك سيدفع العدو الإسرائيلي الى استهداف المناطق المأهولة بالقصف ما سيؤدي الى سقوط مدنيين، وهو الأمر الذي يستلزم رداً من قِبل الحزب، بحجم القصف الإسرائيلي، ليس على المستعمرات القريبة من الحدود التي أخلتها إسرائيل، بل على المستعمرات في العمق الإسرائيلي، الأمر الذي سيفتح سجالاً نارياً قابلاً لأن يتطور الى حربٍ أوسع بين الجانبين.


المصدر : الشفافية نيوز