بعد عام على حكومة السودان، تظهر تفوقها على حكومة الكاظمي في عدة جوانب: بدأت في فترة أكثر استقرارًا، تحمل أقل ضغوطًا سياسية. كما استلمت خزينة الدولة تحتوي على مليارات الدولارات وأمكنها العمل اقتصاديًا. رغم تحفظات بعض الأمور، استطاعت الكاظمي تعزيز دور العراق على الساحة الإقليمية والدولية. يجب أن يفكر العراقيون في مستقبلهم واتخاذ قرارات حكيمة للوصول إلى الاستقرار والتنمية.


كتب الدكتور أيمن يوسف:
 بعد مرور عام على حكومة السوداني، يمكن ملاحظة ما يلي مقارنة بسابقتها أي حكومة الكاظمي:
1-  استلم السوداني سدة المسؤولية بعد انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي مما أنتج استقراراً سياسياً في العراق بشكل كامل يتيح له العمل بهدوء، في حين استلم الكاظمي المسؤولية بعد أحداث تشرين التي أنتجت توتراً سياسياً ومجتمعياً كبيراً كان مسرحه العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وكانت مهمته الرئيسية تهدئة الأجواء والإعداد لانتخابات مبكرة. وأخذ ذلك حيزاً كبيراً من اهتمام وجهود الحكومة إمتد لفترة طويلة من عمرها.
2-  بدأ السوداني عمله مرتكزاً على ائتلاف ادارة الدولة الذي يشكل أغلبية نيابية تؤهله لتمرير أي مشروع قانون، بينما بدأ الكاظمي عمله من دون أي تكتل نيابي داعم بشكل استراتيجي، مما جعله عرضة لابتزاز أغلب القوى السياسية وشل حركته في المجلس النيابي، وحتى تحالف الكتلة الصدرية الخجول والغير استراتيجي معه فيما بعد كان محكوماً بسياقات معينة.
3-  استلم السوداني خزينة الدولة من سابقه وهي تحتوي على أكثر من مائة مليار دولار، مما يؤهله للتحرك اقتصادياً وإنمائياً، ومن دون ضغوط، بينما استلم الكاظمي خزينة الدولة من سابقيه وهي شبه خاوية، وكانت الحكومة حينها تعاني صعوبة بالغة في توفير رواتب الموظفين في الأشهر الأولى من تاريخها.
4-  شكل الكاظمي لجنة لمكافحة الفساد، ورغم كل ما قيل عنها، فإنها أودعت أسماء كبيرة من سراق المال العام في السجون بقرارات صادرة عن القضاء العراقي، بينما تم الافراج عنهم كلهم أو أغلبهم في حكومة السوداني بقرارات صادرة عن القضاء العراقي نفسه!! وتعرضت حكومة الكاظمي لانتكاسة في موضوعة الفساد، بعد اكتشاف صفقة القرن، ولكن يسجل لها أنها هي التي أعلنت عن اكتشافها عبر وزير النفط والمالية بالوكالة احسان عبد الجبار في لقاء تلفزيوني شهير، كما أنها قامت باعتقال المتهم الرئيسي في صفقة القرن نور زهير، وباقي الأشخاص المتهمين، في حين تم اطلاق سراحهم جميعاً في عهد حكومة السوداني!! بتبريرات وقرارات معروفة.
5-  تبنت حكومة الكاظمي بشخص وزير المالية آنذاك الخبير المالي الدكتور علي علاوي وبموافقة كافة القوى السياسية قراراً غير شعبوي بزيادة سعر الدينار العراقي مقابل الدولار، وقد حافظ الدينار على ثباته واستقراره في تلك الفترة، في حين اتخذت حكومة السوداني قراراً وبموافقة كافة القوى السياسية نفسها!! بإرجاع سعر الدينار إلى سابق عهده، ولكنه لم يحافظ إلى حد الآن على استقراره، إذ يوجد فارق كبير بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، رغم كل المحاولات المعلنة لتثبيته. ولا يخفى أن هذا الأمر هو ماخور فساد حقيقي يستهلك بنية الاقتصاد العراقي يومياً.
6-  تزامنت حكومة الكاظمي مع انتشار جائحة كورونا التي شلت حركة البلاد والعالم أجمع، وألقت بظلالها الثقيلة على قطاعات واسعة، اقتصادياً وطبياً واجتماعياً بل وحتى سياسياً، بينما بدأت حكومة السوداني عملها بعد انتهاء الجائحة وانحسار شبحها المخيف.
7-  استلم الكاظمي الحكم والعراق يعيش عزلة اقليمية ودولية خانقة، واستطاع خلال فترة وجيزة ان يحول العراق إلى موقع ارتكاز ديبلوماسي، وسياسي واقتصادي على المستوى الاقليمي والدولي، فشهد العراق عدة مؤتمرات عالية المستوى، كما شهد الزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان، وفي هذه الفترة بدأت المفاوضات الايرانية السعودية في بغداد، كما حصل العراق على الموافقة لإقامة دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم في البصرة. وفي حين استلم السوداني زمام الحكم وأمامه كل هذه الآفاق المفتوحة إقليمياً ودولياً التي عمل عليها سلفه يأمل المراقبون أن لا يكون ما حدث في قمة مصر للسلام الأخيرة، ومؤشرات داخلية أخرى، بوادر انغلاق جديد يعيشه العراق يؤثر عليه سياسياً وأمنياً واقتصادياً ويضع عملته النقدية من جديد في مهب الريح...
هذه بعض الملاحظات، وثمة ملاحظات أخرى ولكن ما ذكرته يمكن أن يفتح لاخواننا العراقيين أفق الأسئلة الكبرى عن أي عراق يريدون؟ ما هي هويته؟ وأن يقيسوا بميزان الانصاف أي مسار يوصلهم إلى بر الأمان في أتون عاصفة هوجاء تضرب منطقة الشرق الأوسط؟!