كتب علي حمادة في النهار العربي: 



تقف المنطقة على فوهة بركان. فحرب غزة بين إسرائيل وحركة “حماس” تكاد تطوي أسبوعها الرابع بحرب شوارع عنيفة جداً في محيطة مدينة غزة في شمال القطاع. في الأيام الأخيرة، كانت المنطقة على موعد مع حدثين مهمين. الأول خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي أكد في خططه العريضة، تراجعاً وإن في هذه المرحلة، عن التورط في الحرب من الجبهة اللبنانية ضد إسرائيل. والثاني زيارة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى المنطقة حيث اجتمع مع عدد من وزراء الخارجية العرب في العاصمة الأردنية عمان، ثم مع الرئيس الفلسطينية محمود عباس في رام الله بهدف بحث اطر الأفق السياسي لمرحلة ما بعد الحرب في غزة وما بعد حكم حماس في غزة! وحتى الان لا حديث جدياً عن وقف لإطلاق النار، ولا حتى لهدنات إنسانية. الهدف الواضح للجيش الإسرائيلي هو محاولة حسم المعركة في شمال قطاع غزة، واقصاء حماس عنها، ومحاصرة جنوبي القطاع لفرض معادلة جديدة إذا ما اضطرت تل ابيب للخضوع لضغوط أميركية لوقف إطلاق النار بحلول يوم السبت المقبل، موعد انعقاد القمة العربية الطارئة التي دعت اليها المملكة العربية السعودية. وقد يكون في حسابات الاميركيين تقديم وقف لإطلاق النار للقمة من اجل استباق أي محاولة إيرانية لاستثمار تفاقم القتال في غزة. والحال ان الاستثمار الايراني بدأ من خلال تسخين جبهة لبنان بواسطة “حزب الله” وعدد من الفصائل الفلسطينية واللبنانية العاملة في الجنوب اللبناني تحت عباءة الحزب المذكور. ثم هناك الساحتان السورية والعراقية حيث تكثفت هجمات الميليشيات الشيعية العراقية على عدد من القواعد الأميركية العاملة تحت عنوان قوات التحالف الدولي لمحاربة “داعش” في سوريا، فضلا عن القواعد الأميركية مثل عين الأسد والحرير ومطار أربيل في العراق.
لكن التطور الأبرز حصل مع صدور بيان عما يسمى “المقاومة الإسلامية في العراق ” تعلن فيه بدء معركة تحرير العراق مما تسميه الاحتلال الأميركي. وهذه إشارة تصعيدية من فصائل ولائية خاضعة لـ “فيلق القدس” في مقدمها “كتائب حزب الله” العراقي ضد القوات الأميركية. وذهب زعيم التيار الصدري مقتضى الصدر الى حد المطالبة بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد وطرد السفيرة الأميركية ألينا رومانوفسكي. وثمة مؤشرات يمكن ملاحظتها الى أن طهران التي تتحاشى الاصطدام المباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة، أوكلت الى ميلشياتها أمر مناوشة الاميركيين ضمن حدود لا تصل الى حدود تستدعي ضربات أميركية كبيرة ضدها. لكن الهجمات مستمرة وتزامنت في الأيام القليلة المنصرمة مع حدث أمني – سياسي في بغداد تمثل بقيام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإقالة الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد جهاز مكافحة الإرهاب الذي يعتبر النواة الصلبة في الجيش العراقي، والجهاز الأكثر كفاءة والأفضل تدريباً وتسليحاً بين جميع الأجهزة والقطعات العسكرية العراقية. وتتمثل خطورة اقالة الساعدي انها خطوة تطيح بشخصية عسكرية مركزية في المعادلة الأمنية – العسكرية العراقية. وهي تشكل تقاطعاً بين الحكومة والاميركيين، إضافة الى انه كان على علاقة متوترة مع قوى الحشد الشعبي منذ أعوام، لا سيما خلال التظاهرات الشعبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019. ويمكن القول إن اقالة الساعدي تعبر عن انقلاب يقوم به رئيس الحكومة محمد الشياع السوادني بناء على ضغوط من القوى السياسية المؤلفة لحكومته، وهي خاضعة بشكل كبير للسياسة الإيرانية في العراق.
هذا الانقلاب الأمني – السياسي على تقاطعات ايرانية – أميركية في العراق، قد يكون الاستثمار المباشر الذي تقوم به طهران في العراق على هامش الحرب في غزة. انطلاقاً من العراق تعتبر ايران انها قادرة على الضغط على الاميركيين في سوريا، وعلى الحدود مع الأردن التي تشهد تجمعات لحشود تابعة للفصائل الولائية عند معبر طرايبيل، وفي منطقة الخليج بعدما أصدرت جماعة تطلق على نفسها اسم “الوية الوعد الحق” يقال انها واجهة لـ”كتائب حزب الله” العراقية التي سبق ان قامت بين عامي 2020 و2022 باستهداف المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة بصواريخ ومسيرات مفخخة.
وبناء على ما تقدم ستستخدم طهران الساحة العراقية لرفع منسوب التوتير مع واشنطن كلما تقدم الإسرائيليون عسكريا في شمالي قطاع غزة. من هنا أهمية مراقبة ما يحصل في العراق.


من سيحكم غزة بنهاية الحرب؟
تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين الفائت عن مرحلة ما بعد حماس في قطاع غزة، فأشار الى ان إسرائيل هي التي قد تتولى لفترة من الزمن المسؤولية الأمنية في القطاع. ليلة امس نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الإدارة الأميركية تعارض إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، بمعنى آخر تعارض واشنطن أن يتولى الإسرائيليون المسؤولية الأمنية في مرحلة ما بعد حماس.
طبعا، تبنى هذه المواقف على تقديرات بأن الجيش الإسرائيلي سيتمكن من حسم الحرب لصالحه في قطاع غزة، بداية في الجزء الشمالي، ثم في الجزء الجنوبي. ولا تقتصر هذه المواقف او الاقتراحات على الاميركيين أو الإسرائيليين، بل إن الأوروبيين يعملون على بلورة تصورات لمرحلة ما بعد حماس في غزة. وقد اكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كلمة لها يوم الاثنين الماضي امام السفراء المعتمدين لدى الاتحاد الأوروبي أنه “يتعين التفكير في الغد لنتصور كيف يمكن ان يبدو السلام الدائم، لاستعادة الامل للفلسطينيين والإسرائيليين. فهم بحاجة الى منظور هو حل الدولتين”. وأضافت ان “منظمة حماس لا تستطيع السيطرة على غزة او حكمها وينبغي أن تكون هناك سلطة وطنية فلسطينية واحدة فقط ودولة واحدة”، و”لا يمكن ان يكون هناك وجود أمني إسرائيلي طويل الأمد في غزة. غزة جزء أساسي من أي دولة فلسطينية مستقبلية”.
هذه عينة شديدة الاختصار لنمط التفكير في مرحلة ما بعد الحرب التي يتصرف الغرب بشأنها على أنها محسومة في نتائجها لجهة إنهاء حكم حماس لقطاع غزة. لكن ما لفتني هو موقف الكرملين يوم امس الثلثاء بلسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف قال فيه: “من المهم جداً أن تكون هناك هدن إنسانية خلال العملية الإسرائيلية في غزة”! بمعنى آخر أن موسكو أيضا تتصرف على قاعدة أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة ستستمر، وان التركيز الان هو على هدن إنسانية لا على وقف الحرب، ولا وقف متوسط أو طويل الامد لإطلاق النار. فقط هدن إنسانية عادة ما تقتصر على وقف لإطلاق النار لبضع ساعات”.
إذا نحن نتحدث عن مسار حرب يتعامل المجتمع الدولي معه على أساس أن نتائجه محسومة سلفا. أي أن انهاء حكم حماس في قطاع غزة، وإخراجها كقوة عسكرية وسياسية من المعادلة من خلال شطبها في معقلها الرئيسي في غزة. أما وجود حماس العسكري في الضفة فيظل محصوراً، ومحدود الأثر. وأما وجودها في لبنان وسوريا فأيضاً محدود الفعالية لأنها إن فقدت قاعدتها في قطاع غزة ستضعف الى حد بعيد. لكن من دون أن يقترن ذلك بحتمية حلول السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية مكانها في غزة، نظراً لمكامن الضعف البنيوية التي تعاني منها السلطة، بدءاً من ترهلها، وضعف قيادتها.
في مطلق الأحوال من السابق لأوانه الجزم بنتائج الحرب الدائرة حالياً في شمال غزة.
والسؤال المطروح، هل ستفرض إسرائيل سيطرتها في أمد قصير على الجزء الشمالي للقطاع؟ أم أن الحرب هناك ستطول الى حد لا يعود بالإمكان بناء تصورات مستقبلية لقطاع غزة تقوم على فرضية إنهاء سيطرة حركة حماس فيه. من هنا فإن المرحلة الحالية التي قد تمتد لاسبوعين مقبلين من الحرب في مدينة غزة بالتحديد هي التي سترسم معالم المستقبل.


المصدر : النهار العربي