كتب المخرج يوسف ي. الخوري




اِنسى؟ 
كِيف؟ 
تركتوني ورحتو عَ ليل وعَ سهريّي 
ما قلتو في ناس لا عياد ولا حريّي 
...
كلمات هذه الأغنية لفيروز، تعبّر خير تعبير عن سلوكنا المرتبك، كمسيحيين لبنانيين، تجاه ما يُريده منّا "الشركاء في الوطن"، من مُسلمين، وعلمانيين يساريين، وبعض مسيحيين.  
يُريدونَنا أن ننسى ما فعله بنا الفلسطيني، وبصراحة، لا ضَيْر من نسيان المآسي والمَضيّ قُدُمًا. يُريدوننا أن نسامح الفلسطيني على المجازر التي ارتكبها بحقّنا، وهذا أمر قد نكون تخطّيناه، وليس بغريبٍ عن ثقافتنا الانسانيّة ومفاهيمنا المسيحيّة. أمّا وأن يعتبروا نسياننا ومسامحتنا باطلَيْن، إذ لم نتضامن مع الفلسطينيين في غزّة اليوم، فخسِئوا.
ما هذه الوقاحة التي تعاملوننا بها أيّها الشركاء المزعومون المنافقون!!؟
ألا تقوم مخطّطات إيران في الشرق الأوسط إلّا بتضامننا العلني معها كمسيحيين لبنانيين!؟
وألا تنتصر المنظّمتان الانتحاريّتان، حزب الله وحماس، إلّا باستفزاز مسيحيي لبنان واحراجهم!!؟ 
أحد المشاركين في برنامج "صار الوقت"، لم يكفِه تضامن نائبة جزّين القوّاتيّة غادة أيّوب مع أهل غزّة، بل تقدّم منها بقباحة متحدّيًا مصداقيتها، وأهداها كوفيّة ياسر عرفات مصرًّا على أن ترتديها!! وبالرغم من أنّ النائبة أيّوب عرفت، وبلباقة متناهية، كيف تقبل الهديّة المسمومة، وكيف تتنصّل من ارتدائها، تمنيتُ شخصيًّا لَو أنّ سعادتها تعاملت بشدّة مع هذا الذي حاول احراجها، ورفضت الهدية من الأساس.
"الصحافي" رضوان عقيل، وهو من المتحيّزين الذين يُسوّقون للثنائي الشيعي، سأل في البرنامج نفسه النائبَ الكتائبيَ الياس حنكش مستهجنًا: "أوَلست مع العمليّة التي قامت بها حماس ضدّ الإسرائيليين؟"، فانتفض حنكش، ومن خارج السياق، مذكّرًا بأمجاد حزبه وبالـ 6000 شهيد، لكي يتجنّب إدانة حماس في العَلَن، ولكي لا يُفسّر أنّه متضامن مع إسرائيل!! وبالرغم من أنّ النائبَيْن الياس حنكش وكميل شمعون، أبليا خلال الحلقة، ولَوْ بخجل وتردّد، بلاءً حسنًا في وضع حدّ لعجرفة ومزايدة رضوان عقيل في الدفاع عن حماس والقضيّة الفلسطينيّة، كنتُ أفضّل لو كانا أكثر صلابة معه، ويا ليتَ حنكش أجابه باقتضاب: "لست مع العمليّة الانتحاريّة التي قامت بها حماس". ويا ليت الريّس كميل ما اجتهد لتبرير أحد منشوراته الذي يُدين فيه الفلسطينيين على ما فعلوه بنا، واكتفى بالقول: "هم فعلوا ما فعلوه بلبنان والمسيحيين، وأنا قُلتُ ما قلت".  
أنا كمسيحي ينفطر قلبي حزنًا على التطوّرات في غزّة، لكنّني لا أستطيع التضامن معها، لأنّه لا يُمكن الكَيل بمكيالين في قضايا حقوق الإنسان. فأن تتضامن مع الغزّاويين انسانيًّا، لا ينفي، لا بل يحتّم، التضامن في المقابل مع الإسرائيليين الأبرياء الذين تعرّضوا لمجزرة على يد حماس. هل تحتملون منّا هكذا موقف صادق أيّها "الشركاء"، أم ستنهالون علينا بالشتم والاتّهام بالعمالة؟ لذا، دعونا نصمت ولا تتعمّدوا احراجنا أكثر.
صعوبات أخرى كثيرة تحول دون تضامننا مع أهل غزّة، إذ سيُستغَل تضامننا في أغراض دعائيّة تفيد فئات لا تشبهنا ثقافةً، ولا أخلاقًا، ولا قيمًا!
مع مَن تُريدوننا أن نتضامن!؟ 
مع حماس الأصوليّة الإرهابيّة التي لم تفكّر بشعبها يوم اقترفت المعاصي في 7 أكتوبر، والتي بنت خنادق بمليارات الدولارات ولم تبنِ ملجأً واحدًا للمدنيين!!؟ 
أو مع حسن نصرالله الذي يُدافع عن غزّة عن بُعد، وبتروّي، فيسجّل انتصارات وهميّة بإطلاق قذيفة هناك، وبإصابة كاميرة مراقبة هنا، بينما يُمحى أهل غزّة المساكين عن بكرة أبيهم بأطنان من الحديد والنار!!؟  
مع مَن نتضامن!!؟
مع ديما صادق التي دنّست على صفحتها الالكترونيّة أيقونة العذراء مريم بتعديلها، ووضع كوفيّة ياسر عرفات على رأس العذراء!!؟ 
أو مع إبراهيم الأمين ورفيق نصرالله اللذين يريان إبادة أهل غزّة أمرًا عاديًّا طالما هناك نساء حوامل ستُنجبن أطفالًا جددًا، وتُعوّضن في غضون شهرين!!!؟ بماذا يختلف هذان الرجلان، ومعهما حسن نصرالله وقياديو حماس، عن وزير التراث الإسرائيلي "عميحاي الياهو" الذي طرح احتماليّة استخدام قنبلة نوويّة في غزّة!؟ صدقًا، هم يختلفون عنه بشيء واحد فقط؛ هو تمّت معاقبته على أقواله بإيقاف عضويّته في الحكومة، أمّا هم فلا مَن يُحاسبهم، ولا مَن يردّ عنّا قلّة حيائهم.
كفّوا عن اثارتنا وعن الضرب على أوتارنا الحساسة، وكفّوا عن محاولات غسل أدمغتنا بأنّ إسرائيل تدمّر الكنائس وتعتدي على المسيحيين كي تجرّونا خلفكم، فهذا لا يخدمكم ولا يستنهضنا، إذ مهما دمّرت إسرائيل معالم مسيحيّة في غزّة، فلن تبلغ عدد الكنائس والأديرة التي أحرقها ودمّرها الفلسطينيون في ارضنا التي احتضنتهم. 
وتُريدوننا أن ننسى. بالله عليكم، كيف!؟ وأنتم "كلّ ما دقّ الكوز بالجرّة" تعودون إلى نغمة أنّنا تعاملنا مع إسرائيل، وأنّ إسرائيل اعتدت على لبنان في الأعوام 1968 و1978، و1982، و1996، و2006!!؟    
دعوني أُجيب على هذه الافتراءات والتهم، وليكن ما سأقول نهائيًّا؛ 
في العام 1968، ضربت إسرائيل مطار بيروت لأنّ ياسر عرفات أعلن من عاصمتنا مسؤوليته عن اختطاف طائرة مدنيّة اسرائيليّة، وهو بذلك خرق اتّفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل، وفتح على لبنان أبواب جهنم إلى يومنا هذا.
في 1978، اجتاحت إسرائيل الجنوب اللبناني لأنّ الفدائيين الفلسطينيين استخدموه قاعدة للاعتداء على مواطنيها.
في 1982، لم تجتاح إسرائيل لبنان لنصرة المسيحيين والموارنة، بل للقضاء على منظّمة التحرير الفلسطينيّة.
وفي 1996، ما كانت عناقيد الغضب لتقع على رؤوسنا لولا طُبّق اتّفاق الطائف، وجُرّد حزب الله من سلاحه على غرار باقي الميليشيات، وانسحب الاحتلال السوري إلى البقاع.
في 2006، لا هو يعلم ولا أنا أعلم، أنتم أدرى.
وهنا أستشهد بما قاله الرئيس كميل شمعون عن تحالفنا مع إسرائيل: "لم نتعامل مع إسرائيل، بل التقت مصلحتانا كأقليتين حين كنّا نواجه العدو نفسه".
هل مِن داعٍ للشرح أكثر؟ 
أمّا ولمَن يفتقد الموارنة بعد عقود من تنكيله بهم، أقول: لا تبحث عنهم، فهم بين السقوط والسكوت، يُصلّون في صوامعهم. دعهم ولا تستخفّ بهم، فهم قال عنهم يومًا "اسحق رابين" الذي كان رئيسًا لحكومة الكيان الذي تعتبره عدوًّا: "إنّ وجودهم في خطر، وهذا سيعطّل كلّ عمليّة السلام في الشرق الأوسط". وكان صادقًا!
فإذا كانت الدولة التي تُرعب الشرق الأوسط تخشانا منذ أمد طويل، فلن تؤثّر فينا دعاياتكم الكاذبة وتهويلاتكم، وأفضل لكم جميعًا أن تتركونا نائمين. 
كلام كان يجب أن يُقال اليوم وليس غدًا، وقبل أن يأتينا مَن يدّعي أنّ سلاحه حمانا وردع إسرائيل.


المصدر : الشفافية نيوز