أنا عندي الحلّ لإنقاذ غزّة وبيروت!
15-11-2023 06:31 PM GMT+02:00
تعود إلى مخيّلتي في الآونة الأخيرة قصّة عن الأمير فخر الدين المعني الكبير، لم أكن أهلًا لاستخلاص العبر منها في زمن مراهقتي.
فلمّا جرّ والي دمشق، حافظ أحمد باشا، حملة عسكرية ضدّ فخر الدين، وسانده فيها الأسطولُ البحري العثماني، دعا فخر الدين حلفاءه إلى الدامور وتشاوروا بمجريات المعارك. قلق المجتمعون من حجم الدمار الذي تتعرّض له البلاد، وتخوّفوا من أن تنقلب موازين القوى لصالح الحافظ باشا، خصوصًا انّ الحصون لم يكن بناؤها قد اكتمل بعد، وأنّ مواسم القز على الأبواب وقد تتأثّر جرّاء الحرب، مما سيعرّض الناس لنكسة اقتصاديّة تُصيبهم في لقمة عيشهم. بعد استعراض الأوضاع، قرّر الأمير الكبير تَركَ البلاد، وتسليم الحكم لأخيه يونس، لحشر والي الشام وقطع الحجج عليه للاستمرار في هجمته، ولكي ينعم الشعب بالأمان والسلامة، ويستفيد من انتاجه الزراعي.
حين كنتُ مُراهقًا متحمّسًا، رأيتُ في خطوة فخر الدين هذه، شيئًا من الاستسلام والضعف. مع تقدّمي في العمر، تبدّلت نظرتي للأمور وصرت أرى في تصرّف الأمير الكبير حكمةً وتبصّرًا، لا بل تفانيًا في سبيل شعبه، وزهدًا في المناصب وشهوة السلطة.
اليوم، وفي غمرة الحاصل في غزة، أسأل نفسي باستمرار ما الذي يؤخّر حماس على الإقدام على خطوة مثل تلك التي قام بها فخر الدين، فتنقذ شعب غزّة من حتميّه مصيره!!
الدول الغربية، والقمّة العربيّة الاسلاميّة الطارئة، والحركات المناهضة للعنف حول العالم، تدعو إسرائيل إلى وقف الحرب في غزة، وهي كلّها تعرف أنّ إسرائيل لن تستجيب، وفي قرارة نفسها تصلّي كي لا تستجيب إسرائيل وكي تقضي على حماس! حتّى منظمّة التحرير الفلسطينيّة لا أجدها مهتمّة بما يتعرّض له الغزاويون بقدر ما هي تجهد لتعود الى حكم غزّة بعد حماس!! أوَلم يطلع علينا أبو مازن قبل القمّة الطارئة في الرياض بالقول إنّه مستعد لاستلام السلطة في غزة!؟ وألَم يطلّ أكثر من مسؤول فلسطيني على الشاشات العربيّة ليصرّح بأنّ لا أحد يمثّل الفلسطينيين غير منظّمة التحرير!؟ أَوَلا تُعتبر هذه المواقف في الظروف الراهنة، تخلّيًا عن حماس وتضامنًا مع إسرائيل!!!؟
ويأتيك في لبنان مَن يُهينك ويتهمك بالعمالة لإسرائيل إن لم تتضامن مع عمليّة حماس الإجراميّة ضدّ مدنيين إسرائيليين!! لن أتضامن لاعتبارات عدّة أهمّها أنّني لا أستطيع أن أرأف بفلسطينيي غزة أكثر من أهل بيتهم وعشيرتهم، فأنا لي ظروفي، ولن أنجرّ خلف ترّهات عمياء وفي مجتمعي أمّهات وشقيقات لا تزلن ترتدين لباس الحزن الأسود، منذ عقود، على شهداء سقطوا في ريع شبابهم على أيادٍ فلسطينيّة، كما وأنّ في وطني جنودًا لبنانيين لم تجفّ دماؤهم بعد على أرض مخيّمي نهر البارد والميّة وميّة الفلسطينيّين.
الوقت لم يعد للتقيّة والكذب، والحلّ في غزّة بسيط جدًا، ومن تاريخ فخر الدين نعتبر:
كما سبق وقلت، إسرائيل لن ترتدع! لذا، وقبل الدخول في أيّ حلّ عملاني، حريٌّ بكل مَن يسعى إلى وقف القتل والدمار في غزّة، أن يتذكّر أنّ الحرب بدأت في السابع من اكتوبر وليس في الثامن منه، وأنّ حماس لا تزال تحتفظ لغاية اليوم بأكثر من 200 مخطوف أجنبي وإسرائيلي. وعليه أيضًا ألّا يعتبر أنّ ما قامت به حماس في 7 أكتوبر هو عمل بطولي وما تقوم به إسرائيل الآن هو إجرام. من هنا فقط يُصبح بالإمكان إنقاذ فلسطينيي غزّة بأسهل ما يكون؛ فيتمّ الضغط على حماس بالاستسلام وليس على إسرائيل بوقف الحرب. تُطلق حماس سراح المخطوفين الإسرائيليين والأجانب. تحلّ أذرعتها السياسيّة والعسكريّة مقابل تأمين ممر آمن لقياداتها إلى خارج غزّة.
هكذا فقط توقف إسرائيل هجومها الشرس الذي يطال مدنيين أبرياء، وهكذا فقط يستطيع المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل ومعاقبتها إن لم تلتزم. غير ذلك سنشهد "ترانسفير" مأساوي لأهل غزة، ونهاية دمويّة لحماس لن يؤسف عليها.
بالنسبة لوضعنا في لبنان، يبدأ تجنيبنا الحرب بوقف العنتريّات الإعلاميّة، وباتّعاظ السيّد حسن من الأمير فخر الدين. فخر الدين اختار "توسكانا" للجوء إليها وتجنيب شعبه شرور الحرب، فلِما لا يختار السيّد طهران مكانًا آمنًا له، ويتركنا بحالنا نحيد عن الحرب!؟ "قواعد الاشتباك" لم يعد لها وجود منذ سقوط الـ 1400 ضحيّة إسرائيلية، وهو يعرف. الإسرائيلي يهدّدنا كلّ يوم بتدمير بيروت كما يُمعن تدميرًا في غزّة، هل يحتمل السيّد تخريب لبنان مرّة ثانية بسبب حسابات خاطئة على غرار ما حصل في حرب تموز 2006!!؟
يبقى الأهم أن تكفّ بعض الزعامات اللبنانيّة عن المناداة مجانًا بعدم دخول الحرب مع إسرائيل، خصوصًا أنّ قرار الحرب في يد الأخيرة وحدها! من هنا، وبما أنّه يتبيّن يومًا بعد يوم أنّ تحرير القدس ومحي إسرائيل عن الخارطة لم يعودا واردين على ما اعتاد أن يوهمنا به السيّد حسن، فمن الأصوب مصارحة حزب الله بأنّ عليه ترك سلاحه!
لا شيء يحمي لبنان ويردع إسرائيل عن الاعتداء عليه سوى تسليم كلّ سلاح إيراني أو فلسطيني غير شرعي إلى الجيش اللبناني، وترك هذا الجيش بعدها يتصرّف. جيشنا قادر على ذلك، وإذا تجرّأت إسرائيل واعتدت، سيتّحد كلُ اللبنانيين خلف جيشهم وحده، ولن يتّحدوا خلف حزب الله كما يحلو للبعض الترويج.
المطلوب من كلّ المنظّرين على الشاشات اللبنانيّة، أن يُدركوا أنّ ضعفنا في المعركة مع إسرائيل يكمن في أنّ الأخيرة تطوّرت من فصائل مرتزقة في اربعينيات القرن الماضي إلى دولة نوويّة اليوم، ونحن لا زلنا واقفين عند ما يُسمّى بـ "الحرب بالنظارات"، وما بُعرف بثقافة أحمد سعيد الإعلاميّة!!
كفوا عن التضليل واصدُقوا مع الناس؛ جيشنا قادر وهو أقوى من حزب الله بعديده وعتاده. ليس كلّ اللبنانيين متّحدين في العداء لإسرائيل. غزّة أصبحت ملعب فوتبول، وهي أصبحت مدينة عليا تطمر مدينة سفلى، فلا داعي لإيهام الناس بأنّ السفليين سيخرجون وينتصرون، إذ إذا خرجت الجرادين بعد الآن، هم يخرجون. فهِمنا أنّ مَن هم عندنا ينتظرون الوقت المناسب لدخول الحرب، لكنّنا لم نفهم بعد متى يخرج الحماسيون من خنادقهم؟ عندما تًراق دماء آخر طفل غزّاوي!!!؟
بالله عليكم، اشفقوا على عقولنا وأنتم الهبلان والمراهقون!!!
المصدر : الشفافية نيوز