كتب رمال جوني في "نداء الوطن": لم يجد المزارع حنا شاهين غير الصراخ للتعبير عن وجعه، خسر بساتين «الأفوكا» التي يملكها في سهل الخيام، يبكي من حرقته، ويسأل من يعوّض عليه خسارته التي تقدّر بأكثر من 30 ألف دولار فقط من ثمار «الأفوكا». بالأمس، أصيبت بساتينه بالقصف المباشر الذي طاول سهل الخيام، أتلفت الأشجار ويفوق عمرها 20 عاماً، الصدمة ترافق كلماته الغاضبة «عليّ دين وسندات أمانة ثمن أسمدة وأدوية للأشجار، من يعوّض خسارتي؟ من يسأل عن المزارع اليوم؟».


يجول بين أشجار البستان المكسّرة، يحمل حبّات «الأفوكا» المتساقطة أرضاً، ما يقارب 20 طناً من الثمار أتلفت ومعها الأشجار، ما دفعه للقول «حين تقع المصيبة عادة تجد من يقف قربك، يساندك، يدعمك، إلا في لبنان لا تجد من يسأل».

بحذر يمشي بين الأشجار، فالقنابل زرعت في كل شبر من البستان ومن السهل الزراعي الأكبر في المنطقة، ويعدّ متنفّساً زراعياً لكثير من أبناء بلدات: مرجعيون، القليعة، برج الملوك والخيام، العديد من أبناء تلك القرى تحوّل إلى الزراعة لمواجهة الأزمة المعيشية، غير أن الحرب الدائرة قضت على هذا القطاع نهائياً وتحديداً في القرى التي تتعرّض للقصف الفوسفوري الحارق.

لم تنجح خطة الطوارئ التي وضعتها الحكومة اللبنانية في مواكبة الحرب، بل وصفت بأنها خطة محكمة من حيث تشكيل خلايا الأزمة وإحصاء النازحين، ولكن عملياً هي خطة فاشلة على ما يجمع كل رؤساء ومخاتير المنطقة، أو كما يقول أحدهم «خطة بلا فعل». يدفع هذا الأمر بشاهين للقول «خافوا الله»، ويطلب من الزعماء «التنحّي عن كراسيهم، كي يأتي من يقف إلى جانب الفقراء ويساعدهم». لم تبصر خطة التعويضات النور بعد، ما زالت في طور الإحصاء المحدود، حتى قيمة التعويضات لم تحدّد بعد إن كانت على سعر 1500 أو وفق الدولار، يعلّق شاهين على الأمر، قائلاً «خسائري لا تقدّر، بكرا بيعوضوا بمليون ليرة، خسئت هذه الدولة».

لا يخفي مختار بلدة القليعة جوزف سلامة حجم الخسائر التي أصيب بها القطاع الزراعي، ويؤكد أن لا مساعدات تتحضّر في الأفق، ويقول «إن أهالي القليعة يعتمدون على الزراعة اليوم، ولكن هذا القطاع قضي عليه بالضربة القاضية».

واقع يشير إليه مختار مرجعيون كامل رزوق، لافتاً إلى أنّ الأضرار أصابت حتى أشجار الصنوبر المعمّرة في مرجعيون قرب المطرانية الكاثوليكية، وطالت بساتين الجوز في سهل الخيام. ويرى أنّ الاستهداف المباشر للقطاع الزراعي لا يمكن ترجمته إلا بكلمة واحدة «يريدون إبعاد الأهالي عن أرضهم، ولكننا نؤكد أنّ الأهالي متمسّكون بالأرض حتى الرمق الأخير».

تدمير ممنهج للقطاع الزراعي يبدأ من سهل سردا والوزاني ويصل إلى مرجعيون وباقي القرى، فدفع بهذا القطاع للعودة إلى الوراء عشرات السنوات ولن يستعيد عافيته بسهولة، خصوصاً «أن التعويضات معدومة» يقول رزوق، سائلاً عن دعم الدولة لهم فهي في الـ»كوما»، بل يسأل عن الأحزاب المسيحية التي لم تسأل خاطر أبناء القرى المسيحية ولم تقف قربهم في شدّتهم.

تحضر قضيّة المساعدات عند كل رؤساء البلديات، ويعلّق رئيس بلدية الخيام عدنان علوان على الأمر بالقول «إنّ قيمة المساعدات المرصودة هي المضحكة، فتعويض الأضرار عن منزل مدمّر يساوي 30 مليون ليرة، وتعويض الشهيد حسب عمره لا يصل إلى 15 مليون ليرة، وفق تقدير مجلس الجنوب الذي رفع تقريراً لتعديل القيمة، ولكن لم يبتّ، وهذا يراه علوان «تعويضات الهباء المنثور»، لكنه يؤكد أنّ «حزب الله» وعبر «جهاد البناء» سيعمل «على التعويض على كل المتضررين ولن يترك الأهالي، حتى أنه أحصى أضرار الزراعة في الخيام وسيعمل على التعويض، كما سيشمل الأمر كل القرى والبلدات، وذلك للحفاظ على القطاع الزراعي الحيوي الوحيد المتبقّي للناس».

يوماً بعد آخر تزداد حدّة المعارك، ويزداد الاعتداء الإسرائيلي على القطاع الزراعي الأكثر تأثّراً، تليه المنازل، ما يدفع الى طرح السؤال: متى تتحرك الدولة لتقف مرة واحدة فقط قرب شعبها؟