بدأت الجاسوسية مع بدء الصراعات الإنسانية كنشاط حيوي بارز، ومنذ اللحظة الأولى لظهورها تمحورت السمات الأساسية التي تحيط بها حول الغموض الذي حولها في ما بعد إلى حال لافتة شعبياً ترجمت إلى روايات أفلام درامية وبوليسية تخطف الأنفاس.


يرجع تاريخ الجاسوسية الاقتصادية إلى ما قبل التاريخ المكتوب، فمارسها وأشرف عليها ملوك الفراعنة وكهنة المعابد والتجار. وبحسب كتاب "الجاسوسية الاقتصادية"، شهد القرن الـ16 أولى عمليات تجسس اقتصادي منظم مارستها عائلة "فاغرز" التي كانت تقرض الملوك والدول الفقيرة، إذ امتلكت هذه الأسرة جهاز استخبارات مكوناً من مجموعة من العملاء زرعتهم في القصور الملكية، وكانت تحصل منهم على المعلومات التي مكنتها من بناء إمبراطورية مالية واستثمارية ضخمة في أوروبا كلها. كما تعد استخبارات روتشيلد الأعظم في القرن الـ19، إذ استطاع مالكو بنك "روتشيلد" بفضل ما توافر لهم من معلومات أن يستغلوا الظروف والأحداث لتضخيم ثرواتهم.

ومع الثورة الصناعية ولدت الجاسوسية التقنية التي تعد أبرز أمثلتها ما قام به رجل الأعمال الألماني جوهان بروكلمن عندما أنشأ مصنعاً لحلج القطن سرق فكرته من مصنع غزل في بريطانيا، وتعد هذه أولى عمليات التجسس التقنية المعروفة.

الجاسوسية في العصر الحديث

شهدت الجاسوسية تضخماً غير مسبوق خلال القرن الـ20، ودعم هذا التضخم المناخ السياسي العالمي واشتعال الحروب وكثرة التوترات وتضخم الأجهزة واتساع نفوذها، بداية بحربين عالميتين أولى وثانية وانتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي، وتخللتها حرب باردة أظهرت أعلى مراحل الندية من خلال التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي بين المعسكرين المتنافستن آنذاك، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، ومن هنا برزت بصورة واضحة كل من الجاسوسية الاقتصادية والتقنية اللتين لا تقلان فاعلية عن نظيرتيهما العسكرية والسياسية.

 

الجاسوسية في العصر الرقمي

وتعد حرب المعلومات من أخطر أشكال التجسس على الإطلاق التي من المحتمل أن تغير في طبيعة الحروب التالية، وكان المفكر آلفين توفلر وصفها في كتابه "أشكال الصراعات المقبلة" بأنها "الحضارة الثالثة بعد حضارة الزراعة والصناعة، وأنها "من الممكن أن تطلق صراعات هائلة وتسهم في نشوء جيل جديد من الحروب".

وفي السياق ذاته، يعد التجسس السيبراني اليوم أكثر من مجرد تهديد، فهو بحسب تعبير المتخصصين "العدو الصامت"، إذ تجند بعض الدول والمنظمات غير المشروعة مهارات مجموعة من المتسللين لاختراق دفاعات الشبكة وسرقة البيانات الحساسة، مما يعرض الأمن القومي لكثير من الأخطار ويزعزع استقرار الاقتصادات.

العنصر البشري في الجاسوسية

ومع الدور البارز الذي تقوم به التكنولوجيا في ظاهرة التجسس الحديث، إلا أن العامل البشري يظل يمثل نقطة ضعف خطرة، فمن خلال تقنيات الهندسة الاجتماعية يمكن لبعض الجهات استغلال نقاط الضعف لدى الأفراد لتحويلهم الى أدوات تهديد داخلي والتلاعب بالثقة لإشراكهم في عملية الاحتيال من خلال استغلال علم النفس من جهة، واستثمار الخطأ البشري من جهة أخرى، بغرض الحصول على معلومات خاصة. وهنا يضطلع الوعي والمعرفة بدور أساس للتعرف إلى الأنشطة المشبوهة وتفاديها والكشف الدائم عن التهديدات الداخلية المحتملة ومنع مشاركة المعلومات الحساسة إلا في النطاق المسموح.

وعلى رغم التغييرات الكثيرة التي طرأت على العمل التجسسي بدءاً من الذكاء البشري المرتبط بالصورة التقليدية للجاسوس، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي والاعتماد على التقنية واستخدام أدواتها من كاميرات ومسيّرات وأقمار اصطناعية وغيرها، أثبتت التجربة أن الآلات لا يمكن أن تغني عن العنصر البشري.


المصدر : الشفافية نيوز