جوزف بو هيا - كاتب


عبارة "على طريق القدس" أصبحت العنوان السائد في المرحلة الحاليّة بالنسبة لمحور الممانعة. تتجسّد فيها ضحايا الصراع، الذين سقطوا من إيران، وعبر العراق وسوريا واليمن، وصولاً إلى لبنان، جميعهم وقعوا ضحايا على طريق وهميّ صنعته إيران. هذا الاستخدام اللفظيّ الخبيث لمفهوم القدس يحمل دلالات هامّة، خاصةً في ظلِّ الضغوط المتزايدة وتضييق الخناق من المجتمع الدوليّ على إيران وأذرعها والضغط العربي للوصول إلى حل عادل ونهائي للصراع العربي-الإسرائيلي.

تحاول إيران تحسين ظروف تفاوضها مع الغرب فوق أشلاء القتلى الذين يسقطون، بحسب تعبير المحور، على طريق القدس. تحاول حشرَ نفسها بطريقة مُلتَوية بالأحداث الجارية اليوم لتُبقي على أوراقها في المفاوضات. نفاقها السياسي واضح، يوماً تتبنّى إزالة إسرائيل وبعدها تنفي، ثم تقول إنّ عملية غزّة انتقام لاغتيال قاسم سليماني وفي اليوم التالي تنفي. كما أصدرت تعليمات إلى كل أذرُعها لتبرئتها من أية أعمال يقومون بها، لكي لا تُفسد مفاوضاتها مع أمريكا، بعكس تباهيهم قبل الأحداث بتبعيتهم المُطلقة لها، حتى لو أتى البلاء على حساب جماعاتها، وأدّى إلى خراب بلدانهم. تُحَرّك المشهد من الكواليس لتحسين وضعها على الطاولة غير آبهةٍ بالقدس أو القضية الفلسطينية. همّها الأوحد تأمين استمرار نظامها وهذا يناسب الغرب وإسرائيل، لذلك اتفقوا على الخطوط العريضة للحرب الدائرة في المنطقة. إسرائيل تستهدف قياديّي إيران وجماعاتها كل يوم في جميع دول وجودهم دون أي رد إلّا بالتصريحات وآخرها نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري رجل إيران في الحركة. فطريق القدس هو معنى مجازيّ لِيُخفي ضعف هذا المحور أمام إسرائيل والغرب وليُبرّر الموت لجمهور المحور.
أمّا طريق القدس عربيّاً فهو عبارة تستعملها إيران لاستقطاب الجماهير العربية وتوسّع مروحة مؤيديها متلطّيةً وراء القدس والفلسطينيين. كلما زاد المُضَلَّلين بهذا الطريق زادت قدرة إيران على التلاعب بالأنظمة العربية لجرِّها إلى الالتحاق بمشروعها. سياسة إيران هي إبقاء العالم العربي غير مستقرّ لتُبقي جماعاتها قويّة داخل هذه الدول. ليس من مصلحة إيران أن تكون هناك أنظمة عربيّة قويّة ومزدهرة على حدودها فهذا سيزيد من النقمة الشعبية الداخليّة على نظام المرشد في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيش فيها الشعب الإيراني. إيران تريد أن تعمّ الفوضى والصراعات في الدول العربيّة لتبقى الأقوى، والعراق وسوريا واليمن مثال على ذلك. بدل أن تنافس الدول العربية بالتطور والاقتصاذ وتحسين الحياة الاجتماعية فهي تحاول جرّهم إلى مستواها المتدني الغارق في مستنقع الطائفية والرجعية.

إذا كانت إيران تُضحّي بجماعاتها العربيّة لكي تُبقي على مصالحها وتُبقي الحرب بعيدة عنها فأيّ قدس تهتم بتحريرها؟ لن يبقى شعب فلسطيني ولا فلسطين إذا إستمرّت إيران بتجارتها السياسيّة.


المصدر : Transparency News