جوزف بو هيا - كاتب


لبنان واللبنانيّون أمام قرار مصيريّ سيحدّد مسار البلاد للأجيال القادمة، يتمثّل في الاختيار بين وجود الجيش على الحدود الجنوبية، تماشيًا مع القرار 1701 وما يحمله ذلك من تضامُن داخليّ ودعم شعبيّ وسياسيّ واسع، وبين استمرار تواجد جماعات مسلّحة على الحدود الجنوبية ودخولها في مناوشات لأهداف مشبوهة مع إسرائيل، ما يعرّض البلاد للمزيد من الانقسام وعدم الاستقرار. لنترك الخارج والحسابات الضيّقة جانباً ونُحَدِّد أيّ لبنان نريد.
يُمثّل وجود الجيش على الحدود الجنوبية رمزاً للسيادة اللبنانية والاستقرار، ويحظى هذا الوجود بتأييد شعبي وسياسي واسع بين مختلف مكوّنات المجتمع.
يعكس تنفيذ القرار 1701 التزام لبنان بالسلام والأمن الإقليميين، ممّا يعزّز مكانة لبنان كدولة ذات سيادة ويعمل على تحسين علاقاتها الدولية ويُعيد الثقة بالمؤسسات الوطنية والاقتصاد.
يمثّل الجيش كل اللبنانيين دون استثناء على اختلاف مناطقهم وطوائفهم، ووجوده على الحدود ينعكس فخراً وطنياً ووحدة وطنيّة لا يمكن أن يؤمّنها أيّ طرف آخر.
من جهة أخرى، تُظهر المناوشات التي تقوم بها الجماعات المسلحة تأثيراتها المدمّرة على لبنان، خاصةً في منطقة الجنوب. حيث تتسبّب هذه المناوشات في تهجير الأهالي وتزيد من الدمار والقتل في منطقة تعاني كما كل لبنان من أزمات خانقة قضت على أبسط سُبل صمودها. 
كما تُعمّق هذه الأحداث الشرخ الطائفيّ، وتزيد من حدّة الأزمة السياسية الداخليّة في البلاد مع إبقاء الجزء الأكبر من اللبنانيين أسرى لرهانات خطيرة ومُكلّفة. 
هذا السلاح المتفلّت يقّسم اللبنانيين ويُضعف وحدتهم حيث يُصبح لكلّ فئة هواجسها ومخاوفها من الأحداث والثمن الذي ستدفعه في صراع لا مصلحةً لهم فيه ولا يمتّ للمصالح الوطنية بشيء.
تُسهم المناوشات التي تحصل اليوم في الجنوب في زيادة معاناة الشعب وتعقيد الأوضاع السياسية والاجتماعية في ظل أسوأ أزمة مالية ونقدية يمرّ بها لبنان. فالانقسام العامودي الذي يخلقه هذا الوضع، يهدّد بتفكيك النسيج الاجتماعي اللبناني، ويضع البلاد أمام خيارات صعبة.
الخيار الواقع أمامنا يتطلّب وعياً للتكاليف طويلة الأمد للسماح لهذه الجماعات المسلّحة وحدها بالتأثير بشكل كبير على مصير البلد. لبنان بحاجة إلى استعادة السيطرة على قراراته السياسية والأمنية، بعيدًا عن تأثير الأجندات الخارجية. لا بد أن يكون استقرار لبنان وسلامته في يد اللبنانيين أنفسهم، من خلال مؤسساتهم الشرعية.
لذلك على اللبنانيين التفكير بعمق فيما يخسره لبنان مع استمرار وجود سلاح متفلّت في الجنوب، مقابل الفرص التي يمكن أن يقدّمها وجود الجيش اللبناني وحده. 
فعليّاً لا تكمن الخسارة في الأرواح والممتلكات فقط بسبب المناوشات المستمرة، بل في تآكل الثقة الدولية والاستثمار في مستقبل البلاد، ليبقى السؤال هل نحن كلبنانيين مستعدّين لتحمّل عبء الانقسامات والتوتّرات المستمرّة التي تفرضها هذه السياسات؟


المصدر : Transparency News