تتجلى المناوشات في جنوب لبنان على شكل لعبة مصالح معقدة بين حزب الله وإسرائيل، حيث يستغل كلا الطرفين هذه المواجهات المحدودة لتحقيق أجنداتهم الخاصة دون اللجوء إلى حرب شاملة. لإسرائيل، تُعتبر هذه الاشتباكات فرصة لتعزيز صورة نتنياهو كزعيم في ظروف صعبة، بينما يستفيد حزب الله من تصوير نفسه كمقاومة لإسرائيل واستغلالها لتحقيق مكاسب داخلية. ومع ذلك، فإن التحديات الأخيرة والخسائر البشرية الكبيرة التي لحقت بحزب الله قد أضعفت قدرته على المبادرة وجعلته أكثر حذراً. على الرغم من ذلك، يدرك كلا الطرفين أن حربًا شاملة ستكون ضارة لمصالحهم، ولذلك يبقيان على هذه المواجهات المحدودة دون تصعيد.


تعكس المناوشات المُستمرّة في جنوب لبنان لعبة مصالح مُعقّدة تجمع بين حزب الله وإسرائيل، كما دائماً، حيث يبدو أن كلا الطرفين يجد في هذه المواجهات المحدودة الزمان والمكان، فرصةً لتحقيق أجنداته الخاصة بعيدًا عن فكرة الحرب الشاملة التي لا تخدم مصالح أيّ منهما أو مصالح مَن ورائهم.

بالنسبة لإسرائيل، وتحديدًا لنتنياهو، تُشكّل هذه المناوشات وسيلة لتعزيز صورته كقائد في ظرف مصيري. تستخدم إسرائيل هذه الحوادث لتبرير الحاجة إلى الدعم الأمريكي وكوسيلة للمناورة السياسيّة في ظلّ التحدّيات التي تواجهها في غزّة. مع ذلك، يدرك نتنياهو أن التصعيد إلى حرب شاملة قد يكون مكلفًا للغاية، ليس فقط عسكريًا ولكن أيضًا سياسيًا، في ظلّ الضغوط الداخلية والدولية فيُصبح في موقع المهاجم وليس المدافع كما هي روايته اليوم.

من ناحية أخرى، يستفيد حزب الله من هذه المناوشات لتصوير نفسه كرادع لإسرائيل، محاولًا استغلالها لتحقيق مكاسب داخلية. ومع ذلك، فإنّ التحدّيات الأخيرة، مثل الخسائر البشريّة الكبيرة والخروقات في صفوفه التي أدّت الى إغتيال عدد من قيادات الحزب الميدانيين، قد أضعفت قدرته على المبادرة. كذلك ضرب إسرائيل لطُرق إمداده جعلته أكثر حذرًا في استخدام ترسانته الصاروخيّة. إذاً، المناوشات وخسائرها التي لم يُقدّرها حزب الله بدقّة أظهرت عدم قدرته على مواجهة أوسع مع إسرائيل ولذلك بدأ يسوّق فكرة المناوشات الحَذِرة. لا يمكن لحزب الله تَحمُّل تبِعات حرب شاملة فالتفوّق الإسرائيلي يبدو واضحاً وأكثر دقّة مِن قبل. أيقن حزب الله أنّ توسيعه الحرب مع العدو ستكون نهايته خصوصاً مع إمكانيّة تَدخُّل أمريكي قوي دعمًا لإسرائيل.

على الرغم من التوتّرات المتصاعدة، يُدرِك كِلا الطرفين أنّ حربًا شاملة ستكون مُضرّة لمصالحه. في نهاية المطاف، تبقى هذه المناوشات على الحدود الجنوبية مسرحية مصالح يحرّكونها كلٌّ لأجندته الخاصة وأجندة مُشغّليهم، مع تطابق في وجهات النظر على رفضٍ واضح لأي تصعيد.


المصدر : Transparency News