كمال نحاس


بدل تضافر الجهود للخروج من الأزمة التي تهدّد المسيحيين اليوم يُطلّ علينا الغيّورين الكُثر على هذا المجتمع. ها نحن أمام تقرير مثال على الغيرة والتوعية المضلّلة التي تكثُر في هذه الأيام العصيبة لأسباب مشبوهة. هذا التقرير، بأسلوبه المتناقض ومعلوماته المُضلّلة، يسعى لا إلى تسليط الضوء على القضايا الجوهرية للمسيحيين، بل يهدف إلى خلق فوضى في الأفكار والمعتقدات.

يُفتَتح التقرير بالتحسّر على المسيحيين وقياداتهم، حيث يخلط بين الصالح والطالح وذلك لتشتيت الرأي العام المسيحي. يستهلّ التقرير بكلمات سمير جعجع، الذي يُظهر اهتماماً بالغاً بالمنطقة المسيحيّة، مؤكّداً على أنّ النزاعات غير مقبولة. إلّا أنّه سُرعان ما يَظهر ضيف يُلقي باللّوم على سمير جعجع وميشال عون، مُعتبراً إياهما سبب خسارة المسيحيين للحرب. يتناسى التقرير عمداً تصريحات في أكثر من وسيلة إعلاميّة للأوساط المقرّبة من ميشال عون خلال تلك الفترة، التي تشير إلى أنّه هو من بدأ الحرب ضد القوات بهدف السيطرة عليها وتدمير المناطق المسيحية. يغضّ التقرير الطرف عن الأمن والاستقرار والتقدّم والإنجازات التي كانت موجودة في عهد القوات وقائدها في المنطقة الشرقية، والتي تُعتبر قيادة القوات هي من ساهمت في تنظيمها والحفاظ عليها. فكيف يُعقل أن يسعى هؤلاء لتدمير ما بَنوه بأيديهم؟

لنصل إلى ما إعتبره التقرير تسريبات سريّة، متحاملاً على شكوك جعجع تجاه ميشال عون. في الواقع، هذه الشكوك شائعة ومتوقّعة في أيّ اتفاق بين طرفين متنافسين، لذا يبقى السؤال: ما الخطأ في ذلك؟ يتابع التقرير بذكر حديث لميشال عون مع حزب الله، حيث أورد عبارة "كبّو برّا". وقد كشفت الأحداث خلال عهده عن تهميشه للقوات التي تستحقّ تمثيل الشعب، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية التي منحتها نفوذاً مهمّاً في مجلس النواب. إذاً، أين يكمن الخطأ في إشراكها بفاعليّة في الدولة؟ هذه المحادثة غير الموثَّقة والتي تفتقر إلى الأسماء، لا تعدو كونها لمصلحة القوات، ممّا يدلّ على أنّ التزامها بدعم وصول عون إلى رئاسة الجمهورية كان ثابتاً. كما يؤكد خوفها من عدم إلتزام الطرف الآخر بالاتفاق، وهو ما أثبتته الأحداث لاحقاً. يأتي بعد ذلك ضيف غيّور على حقوق المسيحيين، مُعمّماً ومساوياً بين من يحرص على مداواة جراح المسيحيين ومن يزيد في تعميق هذه الجراح.

هذا التقرير إذا دلّ على شيء فهو يدلّ على إنزعاج عارم من وعي المجتمع المسيحي الذي منح القوات دوراً أكبر ومسؤوليّة معزّزة. التعميم والاستقطاع من الأحداث لن يجدي نفعاً مع هذا المجتمع الذي يتطلّع إلى منافسة نزيهة بين أحزابه ومسؤوليه لخدمة المجتمع بدلاً من إلقاء الاتّهامات. نسأل الله أن يُعين المسيحيين على أولئك الذين يدّعون الغيرة عليهم بأهداف غير صادقة.

التقرير وتناقضاته تؤكّد على دور القوات المحوري وإلتزامها خدمة مجتمعها، مشيراً إلى جهودها السابقة لتجنُّب الحرب ومساعيها الحالية لبناء مجتمع مسيحي متماسك. يجب على الشخصيات المسيحية الأخرى أن تحتذي بالقوات في خدمة المجتمع بدلاً من الغيرة من تقدُّمها ومعارضتها. فكيف يمكن خدمة المجتمع بهذه الطريقة؟


المصدر : Transparency News