ضياء شعبان


في ظلّ المتغيّرات الجيوسياسيّة الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز إيران كلاعب رئيسي يمسك بزمام الأمور على ضفّة محور الممانعة، مُحكِمةً قبضتها على أوراق أذرعها في المنطقة بِيَد من حديد. تأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه طهران إلى تضييق هامش حركة أذرعها الإقليمية للحفاظ على دقّة وضبط مسار المفاوضات مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، في محاولة لتقليل هامش أي خطأ قد يوسّع دائرة الصراع في المنطقة، وهو ما لا ترغب به طهران إطلاقاً نظراً لما قد يترتّب عليه من تداعيات قد تفضي إلى نشوب حرب شاملة.

يأتي في صلب هذا التكتيك تحرُّك إيران الاستراتيجي المؤثّر على حزب الله في لبنان، حيث تتدخّل طهران بشكل مباشر غير مسبوق في ملفات السياسة اللبنانية، مخالفة بذلك نهجها السابق الذي كان يتّسم بِتَرك هامش من الحريّة والقرار للحزب. هذا السحب للقرار من يَد حزب الله، أدّى بدوره إلى تحرُّك الحزب نحو سحب ملفّ المفاوضات من يد رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه برّي، في خطوة تعكس حالة الاضطراب وخلط الأوراق التي تشهدها المنطقة.

تُعدّ هذه الحركة دليلاً على الديناميكيّة المعقّدة التي تشهدها الساحة السياسية في الشرق الأوسط، حيث تجد إيران نفسها في موقف يتطلّب منها التحكُّم بدقّة في أوراق اللعبة للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية. من جهته، يسعى الرئيس برّي، الذي وجد نفسه الحلقة الأضعف في هذه السلسلة من التحرّكات، إلى إعادة تأكيد نفوذه ودوره. من جهة عبر إلقاء الضوء على مشاركة حركة أمل الفعال في معارك الجنوب ومن جهة أخرى عبر إبراز أهمية مقاومته الدبلوماسية، محاولًا من خلال ذلك الحفاظ على موقعه ونفوذه داخل البيئة الشيعية في لبنان، في مواجهة تمدُّد نفوذ حزب الله.

يشير هذا التحوُّل في السياسات والتكتيكات من جانب إيران وتأثيرها المباشر على حزب الله والرئيس برّي إلى مرحلة جديدة من الصراع الخفيّ على النفوذ والسلطة في المنطقة. الأيام القادمة ستكشف هذه الحركة التي قد تضع الأطراف كافّة أمام تحدّيات جديدة قد تعيد رسم خريطة التحالفات والقوى في الشرق الأوسط.

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News