من المؤسف أن ظاهرة الفساد في مؤسسات وسفارات لبنان الرسمية أصبحت مُستشرية، وكأنها الوباء الذي ينخر في جسد الدولة. تُكتشف هذه القضايا بنتيجة لمسار طويل من التسيّب والاهمال، وتبرز نتيجة لمنطق الإفلات من العقاب. هذا الوضع يُعدّ مهانة كبرى للدولة اللبنانية، حيث تبدو معظم ملفات الفساد وتبييض الأموال مُطوية مع الزمن، ويضيع المسؤولون كأنه لم يحدث شيء.


ان قضية اختلاس مليوني دولار من البعثة الدبلوماسية في قطر هي مثال صارخ على هذا الواقع. ففي عام 2019، طُلب من البعثة تسلم مبلغ مالي لشراء مبنى للقنصلية اللبنانية في نيويورك. ومع تردد البعثة ومماطلتها، اكتشفت وزارة الخارجية والمغتربين أن المبلغ غير متوفر، بل مسروق. تم فتح تحقيقات وتم توقيف المحاسب المالي في السفارة اللبنانية في قطر، الذي اعترف بالسرقة وقُدمت ضده اتهامات بالاختلاس والتزوير.

لكن ما يُثير الريبة هو توقف التحقيقات عند هذا الحد. فلم يتم توسيع التحقيقات لتشمل أحد السفراء وموظفين آخرين، على الرغم من وجود أدلة تُشير إلى تورطهم. كما أن ملفات أخرى مثل ملف السفير اللبناني في فرنسا المتهم بالاغتصاب، وقضايا الفساد في سفارات أخرى، لا تزال مُعلّقة أو مُتوقفة عند حدود الإهمال والتماطل.

هذه القضايا ليست فقط حالات فساد فردية، بل هي جزء من ثقافة الفساد المتجذرة في نظام الحكم اللبناني. الإفلات من العقاب والتسيّب في التحقيقات ترسخ هذه الثقافة، مما يعنّل المسؤولين بالتلاعب بالأموال العامة دون مخاوف من العواقب.

من المؤسف أن الدولة اللبنانية، المفلسة والمهانة، ستستمر في اكتشاف قضايا الفساد والاختلاس في سفاراتها، ما لم يحدث تغيير جذري في النظام السياسي والقضائي، وما لم يواجه المسؤولون عن فسادهم بمحاسبة حقيقية وشفافة.


المصدر : وكالات