خاص - أين المسيحيّون اليوم؟
22-02-2024 09:50 AM GMT+02:00
يُطلّ علينا البعض بآراء تشير إلى أنّ المستقبل قد يحمل تحدّيات خاصّة على المجتمع المسيحي، مع توقّعات بأنّ أيّ تسوية سياسيّة مقبلة قد تؤثّر سلباً على مكانتهم و دورهم. هذه المخاوف، سواء كانت نابعة من سوء فهم أو تحريف متعمد للحقائق، تشكّل مشكلة جوهريّة تستوجب التفكير العميق و التحليل الموضوعي للواقع اللبناني بكلّ تعقيداته.
الواقع يشهد على أنّ التحدّيات التي تواجه لبنان لا تقتصر على طائفة دون غيرها. المجتمع الشيعي، على سبيل المثال، يواجه تحدّيات جمّة، حيث يجد نفسه متأثّراً بسياسات الثنائيّة الشيعيّة التي تقوده نحو الانخراط في صراعات خارجيّة، ممّا يتركه يصارع الفقر و التهميش، معتمداً في كثير من الأحيان على السلاح كوسيلة للتعبير عن الذات و البقاء.
في الجانب الآخر، يعاني المجتمع السنّي من التهميش و الفقر، خاصّة في مناطق ثقلِه مثل طرابلس، عكّار و ضواحي بيروت، التي تُعدّ من بين أفقر المناطق على ساحل البحر المتوسط. هذا المجتمع العريق تُرك ليواجه مصيره دون دعم كافٍ من قياداتها التي هجرته، ممّا أدّى إلى ازدياد نفوذ التطرّف الإسلامي دون أن تتوفّر بدائل حقيقيّة تحميها من هذا الانزلاق.
على النقيض من ذلك، يبدو المجتمع المسيحي في وضع نسبيّاً أفضل، حيث تظلّ المناطق المسيحيّة نابضة بالحياة و النشاط، و تشهد استمراريّة الدولة بأدنى مستوياتها. السياحة و الحياة الاقتصاديّة في هذه المناطق تشهد تعافياً تدريجيّاً، و هناك تحسُّن ملحوظ في الوضع المعيشي للمجتمع المسيحي، بفضل الاستثمارات و المبادرات الكنسيّة و الفرديّة التي تعكس تمسُّك هذا المجتمع بأرضه و إيمانه بمستقبله. هذا الوضع لم يكن ليكون كذلك لولا تأمين الأحزاب الكبرى هذا الجوّ من الإستقرار النسبي و الإيمان بالدولة و الجيش.
من الضروري النظر بموضوعيّة إلى الوضع في لبنان و تقييم الفروقات بين المجتمعات المختلفة بعيداً عن التعميمات. الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية و المؤسّسات الدينيّة، بما في ذلك الكنيسة، في تأمين الدعم و المساندة للمجتمعات هو محور أساسي للحفاظ على النسيج الاجتماعي اللّبناني. إنّ تجاهُل هذه الحقائق و تبنّي خطاب يعتمد على التخويف و التبسيط يمكن أن يؤدّي إلى تفاقم الانقسامات و يضرّ بجهود بناء مستقبل مستقرّ و مزدهر لجميع اللّبنانيين على كامل أرض الوطن و ليس فقط لدى فئة واحدة.
( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News