كتب علي حماده في النهار


نجح "حزب الله" بعد ما يقارب 150 يوما من حرب "المشاغلة" في ترسيخ تغيير حاسم في النظرة الإسرائيلية على مستويات الرأي العام والحكومة والجيش الى الخطر الآتي من لبنان، والذي يمثله "حزب الله". ما نعنيه هنا هو ان مسارعة "حزب الله" الى شن حرب "مشاغلة" ضد إسرائيل تحت شعار مساندة الفصائل الفلسطينية التي تقاتل في قطاع غزة، قد لفت الأنظار في إسرائيل الى خطورة الموقف على الجبهة الشمالية مقارنة بالجبهة الجنوبية في غزة. وقد شكل رفض "حزب الله" المتمادي ومن خلفه مرجعيته في طهران وقف اطلاق النار والخروج من ورطة القتال على جانبي الحدود عاملا خطيرا على لبنان اضيف الى عامل الانزياح نحو التطرف الجنوني الذي تسببت به عملية "طوفان الأقصى" في الوعي الإسرائيلي. وقد اتى كلام الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي ادلى به يوم امس خلال زيارته بيروت ولقائه مع العديد من المسؤولين والقوى السياسية المحلية تأكيدا على معالجة جديدة نشأت بتشبث "حزب الله" بحرب "المشاغلة" لمدة قاربت المئة وخمسين يوما رافضا اخذ النصائح العربية والدولية والمناشدات المحلية بعدم التورط في حرب وان على نطاق ضيق مع "الثور الهائج" على الجهة الأخرى من الحدود الجنوبية للبنان. قال هوكشتاين :" ليس هناك شيء اسمه حرب محدودة"، ثم أضاف في مكان آخر: "ان أي هدنة في قطاع غزة لن تمتد بالضرورة تلقائيا للبنان"!

ماذا يعني كلام هوكشتاين؟ بكل بساطة ان رهان "حزب الله" على ان حرب "المشاغلة" المنضبط وفق إيقاعه وإيقاع طهران سقط. فالحرب معناها الحرب. هوكشتاين اشّار من دون ان يقول ذلك صراحة الى ان الحرب سوف تتوسع، مسقطا منطق "حزب الله" الذي استقر على فكرة الحرب التي لا تخرج عن قواعد الاشتباك المنخفض عنفا والضيق نطاقا. وقد كانت الضربات الإسرائيلية الأخيرة منذ بداية شهر شباط الفائت عندما اكتفى الموفد الأميركي بزيارة تل ابيب دون ان يعرج على بيروت في طريق عودته الى واشنطن خير دليل على انه "ليس هناك شيء اسمه حرب محدودة". وبالتالي ارتكبت طهران وفصيلها اللبناني خطأ قد يتبين انه مكلف للغاية عندما راهنا على موازين القوى وقدرة الردع المتبادلة، وعدم جهوزية المستويين السياسي والعسكري وخلفهما الرأي العام في اسرائيل للانخراط في حرب تبعد خطر "طوفان" آخر محتمل من الشمال وإن في المستقبل البعيد نسبيا. كما انهما طهران و"حزب الله" يمكن ان يكونا ارتكبا خطأ آخر لا يقل فداحة عن الأول، حين راهنا على ان إسرائيل لن تقوم من صدمة "طوفان الأقصى" وانها ستغرق في وحول القطاع، وستكون أي حرب على جبهة الشمال مستحيلة. لكن هوكشتاين اتى البارحة ليؤكد ان الهدنة في غزة قد لا تمتد الى لبنان. أي ان إسرائيل ستواصل الاشتباك مع "حزب الله" الى ان يجبر على الجلوس على طاولة التفاوض لتقديم تنازلات امنية في الجنوب اللبناني. والأهم من كل ما سبق ان "حزب الله" وقع في فخ من صنعه فبات إزاء خيارين، اما حل دبلوماسي او توسيع الحرب بمعزل عما يحدث في قطاع غزة.

لقد تورط "حزب الله" وأوقع معه لبنان في فخ خطير. والمشكلة ان المسؤولين من متملقي الحزب المذكور كرئيس الحكومة ووزير الخارجية لم يدركوا ان ساعة الحقيقة قد ازفت. فمن سيخرج "حزب الله" من الفخ؟


المصدر : النهار