كتب علي حماده في النهار


من حيث يدري أو لا يدري يمكن القول لـ"حزب الله" إن سرديته حول الحرب التي تورّط فيها مع إسرائيل قد انهارت. فمن "حرب مساندة" في الإطلالة التلفزيونية الأولى للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، انتهت الحرب في آخر إطلالاته الى "حرب الدفاع الاستباقي". وللتذكير بدأت حرب تموز ٢٠٠٦ بعملية قتل واختطاف جنود إسرائيليين على الخط الأزرق للتعجيل في عملية تبادل للأسرى، وانتهت بـ"حرب دفاع استباقية" بناءً على معلومات زعم الحزب المذكور أنها كانت بحوزته. وإذا ما انتقلنا الى سردية حركة "حماس" عن عملية "طوفان الأقصى"، فقد بدأت تحت شعار إلحاق هزيمة تاريخية بإسرائيل، وإطلاق العد التنازلي لإنهائها، بمعونة قوى ما يُسمّى "محور المقاومة"، وانتهت تحت شعار التفاوض لوقف إطلاق النار، والانسحاب من غزة المحتلة بشكل شبه كامل، وتأمين إدخال مساعدات إنسانية، وإعادة إعمار القطاع الذي صار أرضاً محروقة طاردة للحياة.

هذه هي إشكالية السرديات التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى أمام حقائق الأرض والواقع. والحال أن تورّط "حزب الله" في الحرب الحالية يحمل اليوم عنوان الحرب الاستباقية بعدما انهارت صدقية السردية الأولى. فلا الحرب ساندت غزة كما قال منظروها، ولا خففت الضغط عن الفصائل الفلسطينية، ولا أثبتت تفوّق "حزب الله" بما يترجم عملياً مئات التهديدات التي أطلقها الأمين العام طوال الأعوام الماضية. والأهم أنها لم تحمِ عشرات البلدات الجنوبية من التدمير شبه المنهجي من قبل الجيش الإسرائيلي. كل ما حصل أن "حزب الله" تورّط في حرب في أسوأ توقيت مع "ثور هائج" من الجهة الأخرى من الحدود، وورّط معه بيئته الحاضنة في الجنوب، ومعها لبنان بأسره، على اعتبار أن الحرب مؤهّلة لأن تتوسع وتزداد عنفاً في الأيام القليلة المقبلة.

لقد ضاعت البوصلة وسط تلاطم شعارات "مساندة غزة"، والسقوط على "الطريق الى القدس" و"حرب الدفاع الاستباقية". وانهارت البقيّة الباقية من الدولة اللبنانية ومؤسساتها، والمسؤولون وفي مقدمهم رئيس الحكومة ووزير الخارجية الى سعاة بريد، وكومبارس يديرهم رئيس مجلس النواب نيابة عن "حزب الله".

لكن قوة الحزب المشار إليه في الداخل اللبناني ومع ثلة الحكام المتواطئين معه، لم تسعفه في حرب التورّط والتوريط. وفيما بدا "حزب الله" متهرّباً من الحرب بدا أن عدوّه يهرول نحوها. فلماذا إذن تورّط في مغامرة جديدة، وورّط معه البلاد بأسرها؟

لقد كانت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة للبنان فرصة لكي تظهر علامات التصلب الأميركي – الإسرائيلي بوجه "حزب الله". ففي الوقت الذي لوّح فيه بجزرة بعض الوعود الترسيمية، والاقتصادية، والإنمائية، والإعمارية، والنفطية المؤجلة الى ما بعد تنفيذ ترتيبات أمنية في الجنوب اللبناني، استخدم ورقة التفاوض خلال شهر رمضان المقبل لقاء وقف إطلاق النار مؤكداً أن وقف إطلاق النار ليس كافياً، بل المطلوب ترتيبات أمنية. وإذا ما أضفنا الى ما سبق قوله أن الهدنة في غزة لن تمتدّ تلقائياً الى لبنان، وقوله إنه ليس هناك شيء اسمه حرب محدودة لأنها غير قابلة للاحتواء، لاستنتجنا أن "حزب الله" تورّط وورّط لبنان معه. فكيف الخروج منها؟


المصدر : النهار