وائل الزين


في ضوء البيان الصادر عن المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، الذي يُظهر تعارضاً مع الواقع الذي يواجهه الشعب اللبناني، تبرز الحاجة إلى التأكيد على أسُس السيادة الوطنيّة والدور الحيوي للدولة.

هذا البيان يتجاهل تأثير حزب الله السلبي على الكيان والسيادة اللبنانية. كما ألغى الشيخ قبلان دور الدولة في حماية حدودها، الحفاظ على أمن مواطنيها، وضمان استقلاليّة قراراتها السياسية والعسكرية.

أولاً، وجود قوّة عسكرية خارج نطاق القانون، مثل حزب الله، يشكِّل تحدّياً مباشراً لمبادئ السيادة الوطنية والدولة في لبنان. هذا الوضع يُضعف السلطة المركزيّة ويمنع تطوير مؤسّسات قادرة على الحفاظ على احتكار استخدام القوّة واتّخاذ قرارات سياديّة بشأن الحرب والسلام. بالإضافة إلى ذلك، سيطرة حزب الله على هذه القرارات الحاسمة، وارتباطها بأجندات خارجيّة، تتعارض ارتباطاً وثيقاً مع المفهوم الأصيل للسيادة، وتهدّد المصالح العُليا للدولة وحقّ الشعب اللبناني في تقرير مصيره بنفسه.

ثانياً، تعبير الشيخ قبلان عن الأسف لما أصاب أهالي الجنوب من ضحايا وخسائر، مُحقّ، و لكنّه يغفل دور حزب الله كمحفِّز رئيسي للعمليّات العدوانية التي شنّتها إسرائيل، على الرغم من معرفته المسبقة بوحشيّة هذا العدوّ الغاشم. 

هذا الموقف يتجاهل بوضوح، خدمةً لشعبويّة البيان، المسؤوليّة الجوهريّة لحزب الله في ضمان سلامة المدنيّين وتحضيرهم لتداعيات أيّ نزاع.

 الأولويّة القصوى يجب أن تكون حماية السكّان والحفاظ على أمنهم وسلامتهم، وهو ما يتطلّب من أيّ قوّة عسكريّة تقييم عواقب أفعالها قبل الإقدام على أيّ عمليّات قتاليّة. السلوكيّات التي اتّخذها حزب الله والتي أدّت إلى تعريض المدنيّين للخطر أو استخدامهم كدروع بشريّة لأغراض سياسيّة أو عسكريّة، تسقط عنه فعل المقاومة وتشير إلى تجاهل للمعايير الأساسيّة للمسؤوليّة والحماية في النزاعات.

ثالثاً، الدور الذي يُفترض أن يلعبه الرئيس اللبناني المقبل يجب أن يكون منصّباً على حماية الدستور والدفاع عن مصالح الوطن العليا. الشيخ قبلان دائما ما يميل إلى اختزال مصالح الوطن بمصالح حزب الله وأيّ خروج عن تحقيق هذه المطالب هو خائن بنظره.

 انتخاب رئيس فعلي للبنان، مطلب محقّ ومطلوب في أسرع وقت، ولكن ليس حسب أهواء ومواصفات الشيخ قبلان والحزب.

 الثنائي الشيعي لا يزال مُصرّاً على إلغاء العمليّة الديمقراطية والتعدّي على الدستور حتى يصل من يعتبرونه رئيسا يثقون به لحمايتهم.

 وهنا يجب طرح تساؤل، حمايتهم ممّن؟ إذ إنّ الأحداث أثبتت أنّ اللبنانيين هم من يحتاجون إلى الحماية من أفعال الحزب المسيئة بحقّهم.

المطلوب من الرئيس المقبل أن يعمل على توحيد البلاد ودعم مؤسّساتها الدستوريّة والديمقراطية، وليس حماية مصالح فئوية أو تقوية نفوذ الحزب في وجه معارضيه.

رابعاً، الانتقادات الموجّهة للدول الأجنبية، وبالأخصّ الولايات المتّحدة، هي مجرّد "قنبلة دخانيّة" تهدف إلى التعمية عن المفاوضات السريّة التي يقوم بها حزب الله وإيران لتحقيق مكاسبهم الضيّقة. 

تبرز هذه المحاولات الدائمة من الشيخ قبلان والحزب لإلهاء الرأي العام عن المشكلات الأساسية التي تواجه الداخل اللبناني. بدلاً من الانخراط في صراعات خارجية غير مجدية، المطلوب من حزب الله العودة إلى وطنيّته، إذا وجِدت، لتعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتفاقمة.

 هذه الأزمات التي تفاقمت بفعل التعطيل الذي يمارسه الحزب وتغطيته للأعمال غير القانونية كتجارة السلاح، التهرُّب الجمركي، وتهريب المواد المدعومة. 

الأولويّة يجب أن تكون لتحسين الظروف المعيشيّة للشعب اللبناني، والتحلّي بالمسؤولية تجاه تحدّيات البلاد، بدلا من توجيه الاتهامات لأطراف خارجية.

ختاماً، نَودُّ توجيه نداء إلى الشيخ قبلان المقاوم، مؤكِّدين أنّ تحقيق السيادة والاستقرار في لبنان يتطلّب من حزب الله اعتماد استراتيجية جديدة بعيدة عن الاستعلاء والاستقواء بالسلاح، تهدف إلى تجديد وتعميق الثقة مع كافّة الأطياف اللبنانية. من الضروري أن يعمل الحزب على إعلاء مصلحة الشعب والجيش والدولة، متجاوزاً أيّ اعتبارات خاصّة أو أجندات خارجية. السيادة الوطنية ومبادئ الحكم العادل تقتضي التزاماً صارماً دون تسويف أو تأويل، مع التركيز على تحقيق دولة سياديّة، مستقرّة وتنعم بالازدهار، بما يلبّي طموحات الشعب اللبناني.


(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News