تخشى أوساط مسيحيّة رفيعة من أن يكون حزب الله قد جنّد طوال السّنوات الماضية بعض رجال الدّين للوصول إلى المؤسّسات الكنسيّة والتّغلغل فيها، وذلك للتّأثير على قراراتها وأخذها باتّجاه يناسب الحزب. ولاسيّما أنّه قد تمّ رصد بعض المواقف المستغرَبة لرجال الدّين في مؤسّسات مختلفة، حيث تتعارض تمامًا مع المبادئ العامّة للمسيحيّين الّذين يركّزون أو يدعمون ما يسمّى "قيام الدّولة"، ويقفون دائماً إلى جانب بناء الدولة والمؤسّسات.


لم تشهد الكنيسة سابقاً ظاهرة وقوف بعض رجال الدّين إلى جانب منظّمات حزبيّة وميليشيويّة، وهذا أمر خطير واختراق كبير. وبحسب المصادر، فإنّ المرجعيّات الأساسيّة تسعى لوضع أهليّة لمراجعة وجود كلّ رجال الدّين داخلها، ولاسيّما هؤلاء الّذين هم في موقع قرار، أو الّذين يتفاعلون بشكل مباشر مع الرّأي العام لإبعاد الكنيسة عن كلّ التّأثيرات والضّغوطات السّياسيّة، وتركها في إطار دورها الأساسيّ الّذي يتمحور حول العمل الاجتماعيّ والدّينيّ والعمل الوطنيّ بشكل عام، لدعم قيام دولة قادرة ومستقلّة وقويّة، بعيدًا عن تسيير الموقف المسيحيّ الكنسيّ وبعيدًا عن استغلالها لتكون منصّة للتّأثير على الرّأي العام المسيحيّ وأخذه باتّجاهات غريبة عن أفكاره ومستقبله، وألّا تتقاطع أبداً مع تطلّعات الشّعب المسيحيّ الّذي ناضل منذ آلاف السّنين لبناء دولة، وواجه كلّ التّهديدات والضّغوطات وتحدّى جميع الاحتلالات والمصاعب والظّروف في لبنان دعماً لاستقلاله.
 إنّ ظاهرة التّسلّل داخل الكنيسة كان معمولًا بها رسميًّا في الأنظمة الاستبداديّة، في سوريا والعراق، الأمر الّذي أفقد المسيحيّين في تلك الدّول دورهم وجعلهم عبارة عن حاشية لزعماء تلك الدّول، وذلك فقط لاستغلالهم كمنصّة للتّقارب مع الغرب، ولإظهار أنّهم من بيئة علمانيّة -أو توجّه علمانيّ- ولكن دون تأدية أيّ دور. 
فاليوم، في لبنان، يواجه المسيحيّون محاولة إلغاء دورهم ووضعهم في إطار العمل لإفقاد دورهم في العمل السّياسيّ اللّبنانيّ، وجعلهم مكوّن يتماهى مع المكوّنات الأخرى دون أن يكون لهم تأثير مباشر يتناسب مع تاريخهم ودورهم في قيام لبنان، علمًا أنّ هذه الكنيسة المارونيّة ساهمت بشكل كبير في تأسيس دولة لبنان الكبير، وواجهت الانتداب الفرنسيّ للاستقلال، ودعمت كلّ عمليّات التّواصل والعيش المشترك من أجل بناء دولة، وليس تسليم المسيحيّين دورهم لصالح أيّ طرف محليّ أو إقليميّ.

‎وبحسب تلك الأوساط، فإنّ ظاهرة تسلّل وتجهيد رجال الدّين لصالح محور سياسيّ وتنظيم حزب طائفيّ معيّن تمدّدت أبعد من المؤسّسات الدّينية المسيحيّة، ويبدو أنّها أيضًا اخترقت المؤسّسات الإسلاميّة، وهذا يبدو من خلال المواقف الّتي يعلنها ويبديها بعض رجال الدّين الّذين يعلنون مواقف لا تتناسب ومصلحة طوائفهم، ولا مع تاريخها وقيمها الاجتماعيّة والسّياسيّة وهي تتعارض كلّيًّا مع تطلّعات البيئة التّابعة لها، ما يجعل الشّكوك يقينًا بأن هناك عمليّة تسلّل واستغلال لبعض رجال الدّين الأمر الّذي يستوجب متابعة أسباب دخولهم المؤسّسات الدينيّة إذا كان لأسباب دينيّة إيمانيّة، أم أنّ هناك مصلحة معينة مدفعون للقيام بها داخل تلك المؤسّسات.


المصدر : Transparency News