خاص- لا مستقبل للبنان إلا بعد الخروج من قمقم الطائفية
16-04-2024 11:49 AM GMT+03:00
أثارت عملية اغتيال باسكال سليمان الأسبوع الماضي موجة غضب واسعة في الشارع المسيحي في لبنان، حيث شهدت المناطق اللبنانية تصاعدًا في التوتر والاستياء. رافقت هذه الحادثة موجة من الاعتداءات الشعبية المتنقلة على اللاجئين السوريين، مما أدى إلى تزايد المطالبات بمغادرتهم فورًا للمناطق التي يسكنونها. تجدر الإشارة إلى أن هذا الغضب الشعبي يأتي في ظل الموقف الرسمي الذي أعلنه حزب القوات اللبنانية، الحزب المعني مباشرة بالقضية، داعيًا إلى ضبط النفس والتهدئة، وإلى انتظار نتائج التحقيق الرسمي حول الحادثة. ومن المهم فهم أن هذه الانفعالات تعكس قلقًا عميقًا بين اللبنانيين، إلا أن الدعوات إلى الهدوء والتروي لا تزال مسموعة من قِبَل الأطراف السياسية الرئيسية، حيث رافق موقف القوات موقفًا بارزًا لكتلة تجدد وهي كتلة نيابية عابرة للطوائف تضم النائب أشرف ريفي والنائب ميشال معوض والنائب فؤاد مخزومي والنائب أديب عبدالمسيح، دعت في بيانها إلى ضبط النفس وانتظار نتائج التحقيقات وعدم المزج بين ملف منفذي الجريمة وملف النازحين السوريين. كما وتابعت الكتلة موقفها المتقدم حيث وسعت دائرة تلاقيها مع حزب الكتائب وحزب القوات وتحالف التغيير والنائب المستقل بلال الحشيمي، لينبثق عن هذا التلاقي لجنة متابعة للأزمة وتصدر بيانًا تدعو فيه إلى اعتبار يوم الجمعة – يوم تشييع سليمان – يوم حداد وطني.
مواقف نواب المعارضة قابلها على المقلب الآخر مواقف حادة عالية اللهجة غير متوقعة من وزراء في الحكومة اللبنانية قد تصل لوصفها بالمواقف الغير مسؤولة والتحريضية! حيث أن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أصدر تصريحًا تحدث فيه عن أن الوجود السوري في لبنان لا يتحمله لبنان و"نرى أن هناك الكثير من الجرائم يرتكبها سوريون"، وهو موقف اعتبر تحريضًا على الوجود السوري في لبنان، مبررًا كلامه في مقابلة لاحقة أن هناك مليوني سوري في لبنان لا يحملون إقامات شرعية حسب الأصول، كما أن أكثرهم يعملون دون إقامات عمل رسمية والأغلب منهم يشغلون مساكن غير مسجلة وفقًا للأصول، وقال ما حرفيته "نحن ندعو إلى تطبيق القوانين اللبنانية"، وهذا يضعنا أمام سؤال مهم، أليس دوركم كوزارة داخلية وقوى أمنية إنفاذ القانون؟ وأليست وزارة العمل مسؤولة عن العمال؟ وأليست البلديات مسؤولة عن إحصاءات سكانها ضمن نطاقها الجغرافي. ثم يردف مولوي ويقول أن أغلب السوريين يذهبون خلال فترة الأعياد إلى سوريا يقضون إجازاتهم ويعودون إلى لبنان عبر شبكات التهريب عبر المعابر الغير شرعية! هل سأل نفسه الوزير عن ضرورة ضبط الحدود البرية وعن إمكانية الدولة اللبنانية ضبط هذه الحدود في وقت يمر فيه عشرات السيارات والفانات المقفلة ذات الزجاج الداكن عبر الحدود الشرعية والتي يُمنع منعا باتا تفتيشها لمجرد إبرازها بطاقة تابعة لحزب الله؟
معاليك، بدلاً من أن تخرج بتصريحات مبطنة بالتهديد للسوريين، وبدلاً من أن تذكر مساوئهم عبر مساواة الفرد بالكل والصالح بالطالح! لماذا يا معالي الوزير لم تهدد المعتدين على المدنيين السوريين العزل في الطرقات والظواهر وجوههم علناً على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الاعتداء على المدنيين وسياراتهم هو جريمة يعاقب عليها القانون؟ ولماذا لم نسمع أنه تم توقيف أحد من هؤلاء المعتدين؟
سبق تصريحات مولوي تصريحات كثيرة نبدأها بتصريح مثير لوزير المهجرين عصام شرف الدين الذي كان قد تكلم في اطلالة اعلامية عن خطورة ما وصفه بالعصابات المنظمة وعن أسلحة مخبأة تحت مخيمات النازحين وعن 20 الف مقاتل جاهزون غب الطلب لافتعال احداث أمنية! وطالب بترحيل السوريين إلى مناطق آمنة في سوريا ونلمس في هذا التصريح لغة تحريضية واضحة. وقبل الوزير شرف الدين سبقه تصريحا مهما جدا لوزير الشؤون الإجتماعية هكتور حجار عقب زيارته إلى بروكسيل ولقاء المسؤولين الأوروبيين هناك حيث قال أنه سمع كلاما خطيرا بأن هناك خطة دولية لاستبدال اللبنانيين بالنازحين السوريين وأن مصير السوريون في لبنان سيكون كمصير الفلسطينيين من قبلهم، وأنه علينا كلبنانيين أن ننسى ما تم ترسيمه من حدود وأن سايكس بيكو يعاد ترسيمه في المنطقة بطريقة جديدة مع تغيير ديموغرافي! ويتابع حجار ليقول "أنه وعد بحماية البحر مشترطا حماية البر" وكأنه يهدد أوروبا بإفلات الحدود البحرية وهو "ما تخاف منه أوروبا وأن مصر ضغطت على أوروبا لمنع المهاجرين من افريقيا لقاء دعم مالي" واستعان الوزير حجار بتصريحا لوزير الصحة فراس أبيض خلال إحدى جلسات مجلس الوزراء قال فيه أن "50 بالمئة من الولادات في لبنان هي لسوريين تحت الخمس سنوات ووصف هذه الولادات مؤشر لبداية الاستبدال الذي بدأ".
صحيح، أن لبنان غير ملتزم باتفاقية اللاجئين الدولية الصادرة عام 1951 إلا أنه ملزم بالقوانين العرفية التي تمنع إعادة اللاجئين القسرية والالتزام بقوانين حقوق الإنسان وما يحصل من تعديات عشوائية على السوريين في الشوارع والصمت الرسمي والأمني الواضح هو مفهوم باللغة اللبنانية الدارجة وبمفهوم فورة الدم الآنية ولكنها لا تُصرف بالأروقة والمفاهيم الدولية وسترتب على لبنان تبعات ومسؤوليات ضخمة!
ولكن للصراحة، إن الدولة اللبنانية لم تكن يوما" صادقة مع نفسها ولا مع المجتمع الدولي وهم يعملون على طريقة وزير بشد والتاني بيرخي وكل وزير فاتح عحسابو، ومنذ عام 2015 كان وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل قد طالب المفوضية العليا للاجئين بالتوقف عن تسجيل الولادات السورية وقابله موقف مغاير تماما لوزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس بالمطالبة بعدم التوقف عن التسجيل وأن هذا الموضوع هو من اختصاص وزارة الشؤون في موقف متباين لحكومة من المفترض أنها مجتمعة على رأي موحد. ومنذ العام 2015 صرح وزير الشؤون الاجتماعية أن الدولة اللبنانية لا تملك داتا معلومات اللاجئين ومنذ ذلك الوقت لم يلق هذا التصريح آذانا من وزارة الداخلية بل استفاقت الحكومة اللبنانية اليوم لتهدد وتتوعد بنتائج وصلت إليها الحكومات المتعاقبة بسبب الفشل والإهمال والمحاصصات والسمسرات والصفقات والتي تتحمل مسؤوليتها المنظومة السياسية في لبنان قاطبة. الواضح مما سبق أن تقاطع التصريحات الرسمية على مستوى الحكومة اللبنانية تعالج النار بالنار وهي تصل لمستوى غسل يد الحكومة من أي التزام إنساني أو دولي والحكومة اللبنانية مجتمعة تتهرب من تحمل مسؤولياتها ابتداء من الإحصاءات الرسمية المفقودة مرورا بإنفاذ القانون في الداخل وصولاً إلى ضبط الحدود الشرعية والغير شرعية وكأنهم يتجاهلون المشكلة الأساس في لبنان وهي السلاح الغير شرعي والجزر الأمنية والدويلة التي تمنعهم وتمنع القوى الأمنية والعسكرية من تنفيذ القانون وأن الأمر كله متعلق بحرب أرادها حزب الله أن تكون واجهة لمشروعه والذي بدأ يفقد فيها زمام الأمور والتي ستحتم عليه الاستدارة إلى الداخل اللبناني لفرض شروطه في اللعبة القادمة وهو يعول على عامل أساسي جداً وهو العامل السني والذي يريد منه الحزب داعماً له في المرحلة المقبلة، الحزب يريد ضمانة الحياد السني عبر استمالة الشعور الشعبي بإيقاظ المشاعر المذهبية عبر استحضار الحرب الأهلية ليضمن بذلك خاصرة دفاعية تجتمع بنواب سرايا المقاومة إضافةً إلى الجماعة الإسلامية والفصائل الفلسطينية ليصبح لديه هذه الدائرة الشعبوية التي تُستمال بالخطاب الطائفي والتي يُروج لها أن المسيحيون يريدون القضاء على النفوذ الإسلامي وبالتالي على الإسلام أن يتحدوا شيعة وسنة لمواجهة "الخطر الصليبي" وما صمت سعد الحريري – الممثل الأوسع للسنة في لبنان - عن إطلاق أي تصريح عن قضية باسكال سليمان إلا دليلاً إضافيًا إذا ما قاطعناه مع ما يصلنا من دردشات بين أحمد الحريري أمين عام تيار المستقبل وزواره المنسقين والمنسقات عن "دور مهم قادم لسعد الحريري بالتحالف مع حزب الله"! هي خير دليل على انسجام خطير بدأ يلوح في الأفق لتوجيه الشعور العام وتقزيمه إلى مستوى مذهبي ضيق لا يليق بطائفة ولا بأمة ولا بشعب كان السباق إليه سعد الحريري نفسه عند زيارته الأخيرة إلى لبنان حيث جعل من نفسه زعيمًا طائفيًا يأتمر به قطيعه الطائفي منصبًا نفسه قائدًا لهذا القطيع وهو مسار خطير يعود بنا إلى الوراء ولا يتقدم سوى نحو نفق من التخلف والجهل والرجعية والانحلال الديموقراطي.
اليوم، السنة في لبنان كما سائر المكونات الوطنية وعلى رأسهم الشيعة العرب مطالبون باتخاذ موقف وطني يتماشى مع الوضع العربي العام ويتماشى مع القرارات الدولية. عليهم أن يدعو إلى موقف إنساني يحفظ حقوق اللاجئين في المناطق التي يتواجدون فيها، وعليهم أن يطالبو بموقف سيادي واضح يقطع الطريق أمام محاولات الاستغلال والتدخل الخارجي في شؤون لبنان. واجب عليهم التغلب على التحيزات المذهبية الضئيلة والتفوق فوق ردود الأفعال الهمجية، وهم بحاجة إلى تبني مواقف مدروسة وعملية تتجاوز الأزمنة الراهنة.
اليوم، وفي ذكرى الحرب الأهلية، نؤكد أن تدخل إيران وأذرعها في الشأن اللبناني يُعتبر مدخلًا غير مرغوب فيه في المجتمع اللبناني. المسيحيون في لبنان يعتبرون جزءًا أصيلاً من البنية الاجتماعية والسياسية للبلاد، وقد شاركوا في بنائها والدفاع عنها منذ بداية تاريخها. وعلى كافة المكونات اللبنانية أن يخرجوا من قمقم الطائفية الضيقة البغيضة وإلا لن يكون لهم مستقبلاً في العالم وليس فقط في لبنان.
( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )