يومًا بعد يوم، يتكشف المزيد من المعطيات عن الفظاعات التي ارتكبتها عصابة الـ"تيك توك" الشهيرة والعابرة للحدود، مروعةً المجتمع اللبناني؛ ولعلّ آخر هذه المعطيات، تستوجب قراءة جديدة للملف برمته، بعيونٍ حيادية أكثر، خصوصًا بعد بروز بعض المعلومات التي تُظهر ملامح وملابسات لقضايا هزت الرأي العام اللبناني بالطريقة نفسها، وأبطالها شخصيات أمنية الرسمية. اليوم، أسماء المتورطين والمتواطئين بالقضية باتت واضحة، ومن أبرز هذه الأسماء هما: بول المعوشي وبيتر نفّاع. وبعضهم -كما تبين- له تاريخ حافل من العلاقات مع شخصيات أمنية!

 

من هو بول المعوشي؟

تبين في المعطيات الأولية، أن بول المعوشي (31 عامًا، لبناني) والمعروف بـ"JAY"، يقيم في السويد ويحمل الجنسية السويدية، وأحد أبرز أعضاء العصابة، له تاريخ من التواصل والتعاون مع مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، وتحديدًا مع رئيسته السابقة المقدم سوزان الحاج، الذائع صيتها سابقًا بقضايا تلفيق التهم والجرائم، وشبهات بالفساد والتواطؤ مع قراصنة الانترنت، لتصفية حسابات شخصيّة، وأبرزها قضية الممثل المسرحي زياد عيتاني، والتي أظهرت التحقيقات الأمنية والأحكام القضائية، أنها المتسبب الأكبر في اعتقاله وتعذيبه داخل سجون أمن الدولة، وعلى خلفية تُهم أثبتت لاحقًا أنها باطلة.

 

وفي المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، وبالعودة إلى العام 2012، وبعد اغتيال اللواء وسام الحسن ونقل اللواء عماد عثمان من قسم المباحث الخاصة إلى شعبة المعلومات، تولّت الحاج رئاسة مكتب مكافحة الجرائم العلوماتية، وأنشأت خلية من "القراصنة" مؤلفة من 3 أشخاص، وأدخلتهم إلى المكتب لمعاونتها ومساعدتها. وحسب المعلومات، فإن القراصنة هم: إيلي الغبش، بول المعوشي وعمر العبد. أما "الفضيحة" الكبرى، فإن الحاج قامت بتعيين هؤلاء تحت مسمى "عمال نظافة"، وكانوا يتقاضون من الدولة اللبنانية مقابل هذه "الوظيفة" رواتب تتراوح بين 600 و700 ألف ليرة لبنانية (بما يوازي 400 دولار آنذاك)، لكنهم في الواقع كانوا يتقاضون أيضًا مبالغ مالية من المقدم الحاج.

 

وبول المعوشي كان واحدًا منهم، بل وأبرزهم. وكانت الحاج بمثابة "المُلهمة" لهؤلاء في أعمالهم الملتوية، وأُشيع أنها من قامت بتعليمهم أصول "المهنة"، وكيفية الوصول إلى مستويات عالية في مجال القرصنة الالكترونية، عبر تقنيات استحصلوا عليها بواسطة أحد الأفراد المدرج على لائحة العقوبات الأميركية من آل أمهز بعد اتهامه بتأمين وسائل غير مشروعة لصالح حزب الله. ويبدو أن المعوشي لم يكتف وحسب بالأعمال التّي تدرج بها في السنوات الماضية، بل طمع بالمزيد. وتمثل ذلك باستدراج الأطفال والتكسب المالي بارتكاب الجرائم المشينة بحقهم. وتظهر التحقيقات أن المعوشي هو الممول الأبرز في قضية اغتصاب الأطفال ورأس هذه المجموعة، وكان مسؤولًا عن تمويل جميع الحفلات الخاصة المشبوهة، بهدف الحصول على مقاطع مصورة أثناء اغتصاب الأطفال، لبيعها خارج الأراضي اللبنانية بأسعار مرتفعة، ولاستخدام هذه المقاطع في الـDARK WEB.

 

وهذا ما يقودنا لبعد آخر لهذه القضية، يتصل مباشرةً بثقافة الإفلات العقاب، التي استفادت الحاج بترقياتها، واستفاد المعوشي بـ"تنزيهه" عن المساءلة والعقوبة اللازمة بحقه.

 

"تهديد بالقتل"

أما بيتر نفاع، الملقب بـ"ستيف حداد"، (وهو في العقد الثالث من عمره)، فيقيم في دبي ويتردد بشكل دائم إلى لبنان، وشارك في العديد من الحفلات الخاصة، وكان يقوم بابتزاز الأطفال من خلال تهديدهم بنشر صورهم والمقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعدما باشرت الأجهزة الأمنية بتوقيف المتورطين في القضية، تواصل نفاع مع أحد الضحايا، طالبًا منه مغادرة الأراضي اللبنانية والهروب إلى سوريا. وحوّل له حوالى 800 دولار أميركي. ونفاع يعمل في مجال العملة الرقمية، واشترى بقيمة 20 ألف دولار من هذه العملات، بغية استخدامها على تطبيق "التيك توك" وتقديمها إلى الضحايا كهدايا مالية، وتولى مهمة إقناع الضحايا على أن ممارسة العلاقات الجنسية مع أفراد العصابة هي "أمر طبيعي"، وأنهم سيحصلون على مبالغ مالية بعد تصويرهم، كما قام بتهديد الضحايا بالقتل وإجبارهم على تعاطي المخدرات.

 

عشرات الحفلات الليلية نُظمت في مناطق متعددة، ومنها انطلياس وسن الفيل والبترون وفي شاليهات قريبة من نهر الكلب، وفي أحد الفنادق في منطقة الحمرا. كما نظمت العصابة حفلات يطلق عليها اسم "SLAN" وهي التي يسمح فيها بدخول القاصرين. وكانت مهمة نفاع انتقاء الضحايا أثناء الحفلة بمساعدة عدد من القاصرين، وخلال هذه الحفلات كانت توزع الألبسة والهدايا على الضحايا.

 

والمؤكد أن الضحايا ترددوا قبل اللجوء إلى القضاء اللبناني، وذلك نتيجة تهديدهم بالقتل من قبل هذه العصابة المتمددة. مع العلم أن أفراد العصابة أوهموا الضحايا أنهم على علاقة متينة بالأجهزة الأمنية وبمجموعة من الأسماء السياسيّة البارزة في لبنان. وأفراد العصابة ليسوا فقط من الذكور بل أيضًا ضمت عددًا من النسوة، أبرزهن الشابة غدير غنوي المعروفة بـ"جيجي"، والتي عاونت العصابة في استدراج الضحايا وأوقعت بهم.

 

وفي هذه القضية، يتبين أيضًا أن العصابة تعمدت استخدام عشرات الأسماء الوهمية على تطبيق التيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمت الصفحات للايقاع بالضحايا، من خلال التواصل معهم ودعمهم ماليًا عبر تطبيق "التيك توك"، ومن ثم ابتزازهم بالمقاطع المصورة وإجبارهم على الانضمام إلى أفراد العصابة واستدراج عدد أكبر من الضحايا.

 

التعاون القضائي

وحسب مصادر قضائية لـ"المدن"، فإن النيابة العامة التمييزية راسلت الإنتربول، وباشرت بتجهيز وإعداد ملف استرداد كل من نفاع والمعوشي، بهدف تسليمهما إلى القضاء اللبناني لمعاقبتهما. إلا أن مصادر "المدن" أفادت أن السويد لن تسلّم الملاحق المعوشي لكونه يمتلك الجنسية السويدية، ولعدم وجود أي اتفاقيات بين لبنان والسويد لتسليم المطلوبين، خصوصًا أنه لم تصدر بعد أي مذكرات توقيف غيابية بحقهما. إذ من المفترض أن تصدر خلال الأيام المقبلة، بعد تحويل الملف إلى قاضي التحقيق في جبل لبنان القاضي نقولا منصور. وذلك تمهيدًا لطلب النيابة العامة التمييزية من الأمانة العامة للإنتربول لإصدار مذكرات حمراء بحقهما. كما تواردت معلومات تفيد بخروج نفاع من دبي. وهو الأمر الذي قد يصعّب إعادة تسليمه إلى لبنان في حال موافقة الإمارات العربية المتحدة على التعاون مع القضاء اللبناني.  


المصدر : المدن - فرح منصور