في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، شهدت صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصي نقلة نوعية بفضل دمج تقنيات الذكاء الاصطادي. تهدف هذه الطفرة إلى تعزيز الأداء والابتعاد عن الاعتماد الكلي على السحابة، مما يفتح آفاقاً جديدة أمام المستخدمين والشركات المصنعة على حد سواء. تأتي هذه الخطوة في وقت تحتاج فيه هذه الصناعة إلى دفعة قوية لإعادة إحيائها بعد سنوات من التراجع.


شهدت صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصي تطويراً شاملاً بفضل اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعزز الآمال في إحياء هذه الصناعة التي شهدت تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية.

تعتبر أجهزة الكمبيوتر الشخصي المزودة بالذكاء الاصطناعي طفرة تكنولوجية تهدف إلى تحسين الأداء وتعزيز الاستقلالية عن السحابة. تتميز هذه الأجهزة بمعالجة البيانات بسرعة أكبر بكثير من الكمبيوترات التقليدية، حيث تستطيع التعامل مع حجم أكبر من مهام الذكاء الاصطناعي مباشرة على الجهاز، مما يقلل من الاعتماد على مراكز البيانات السحابية لتشغيل تطبيقات مثل روبوت الدردشة (تشات جي.بي.تي) من شركة أوبن إيه.آي.

ومن بين أبرز قدرات هذه الأجهزة دعم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وهي مهمة تتطلب عادةً قوة حاسوبية كبيرة تُنفذ على الخوادم. يأمل المصنعون أن تجذب هذه الخصائص المشترين، في ظل تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأنشطة اليومية مثل كتابة البريد الإلكتروني والتخطيط للإجازات. ووفقًا لشركة الأبحاث كاناليس، من المتوقع أن تتجاوز شحنات أجهزة الكمبيوتر الشخصية المزودة بالذكاء الاصطناعي 100 مليون جهاز بحلول عام 2025، مما يشكل 40% من إجمالي مبيعات الكمبيوترات.

تعتمد هذه الأجهزة على معالجات متخصصة، تُعرف بوحدات المعالجة العصبية (NPU)، والتي تتعامل مع معظم عمليات الذكاء الاصطناعي مباشرة على الجهاز. تعمل هذه الوحدات بتناغم مع وحدات المعالجة المركزية ومعالجات الرسوم لإدارة المهام المعقدة وتحسين سرعة معالجة البيانات، ما يمكن من تشغيل تطبيقات مثل المساعد الافتراضي بكفاءة عالية.

في هذا السياق، قدمت مايكروسوفت مؤخراً أجهزة جديدة تحت اسم (كوبايلوت +)، بالتعاون مع شركات مثل ديل، إتش بي، سامسونغ، لينوفو، أيسر، وأسوس. تشمل هذه الأجهزة الجيل الجديد من أجهزة الكمبيوتر اللوحي (سيرفيس برو) والمحمول (سيرفيس لابتوب)، بأسعار تبدأ من 999 دولار. أما الجيل السادس من جهاز (لينوفو ثينك باد تي-14) فمن المتوقع أن يبدأ سعره من 1699 دولارًا.

على الرغم من هذه التطورات الواعدة، تثار مخاوف بشأن الخصوصية. قدمت مايكروسوفت خاصية جديدة تُعرف بـ "الاستدعاء"، تتيح للمستخدمين البحث عن المعلومات واستردادها عن أي نشاط سابق على الكمبيوتر. هذه الميزة تتبع كل نشاط على الكمبيوتر، من المحادثات الصوتية إلى تصفح الإنترنت، وتُنشئ سجلاً مفصلاً مخزناً على الجهاز.

هذه الخاصية أثارت مخاوف بعض المستخدمين من إمكانية استخدامها للتجسس. عبّر العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عن قلقهم، وشبهها إيلون ماسك بمسلسل "بلاك ميرور" الذي يستعرض الآثار الضارة للتكنولوجيا المتقدمة. بحسب رايان أوليري، المحلل في شركة إنترناشونال داتا، فإن القلق الرئيسي يتعلق بما إذا كانت البيانات مخزنة على الجهاز أم مركزياً، حيث أشار إلى "مخاطر كبيرة على الخصوصية" في حال تخزين البيانات مركزياً.

رغم ذلك، يرى الخبراء أن إدارة المزيد من مهام الذكاء الاصطناعي مباشرة على الجهاز توفر خصوصية أكبر، حيث أظهرت أبحاث شركة فورستر أن هذه الأجهزة يمكن أن تساعد في تجنب استخدام البيانات الشخصية لتدريب الأنظمة، مما يجعلها أفضل للاستخدام المؤسسي.

في خضم هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم هو مدى قدرة هذه الأجهزة على تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي وحماية خصوصية المستخدمين، بما يضمن إعادة الثقة وتعزيز النمو في صناعة الكمبيوتر الشخصي.


المصدر : Transparency News