في لحظة تاريخية تعكس التحولات السياسية والدبلوماسية في الشرق الأوسط، تبرز تفاصيل تصعيد العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبية معينة، وتحديدًا إسبانيا. رغم اعتراف دول مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة فلسطينية مستقلة، فإن استجابة إسرائيل كانت محورًا للجدل، حيث أعلنت عن خطوات استثنائية تجاه مدريد، مما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التصعيد الذي تجاهل فيه إسرائيل الدعوات الدولية لتحقيق السلام والعدالة في المنطقة.


بينما يعزف العالم بنغمات التطبيع الدبلوماسي مع فلسطين، تبرز إسرائيل وكأنها متجاهلة لهذا الإيقاع. مع اعتراف دول أوروبية مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة فلسطينية مستقلة، يبدو أن إسرائيل اختارت الاستنكار بشكل خاص تجاه إسبانيا. ففي إجراء استثنائي، أمرت إسرائيل إسبانيا يوم الاثنين بوقف الخدمات القنصلية المقدمة لفلسطينيي الضفة الغربية اعتباراً من الأول من يونيو، في حين أنها لم تتخذ الإجراء ذاته مع البلدين الآخرين.

تلك الخطوة ليست سوى جزء من سلسلة من التهديدات التي وجهتها إسرائيل إلى النرويج وأيرلندا، إلا أنها أثارت اهتمامًا خاصًا من قبل القائمين على السياسة الخارجية الإسرائيلية. فلماذا اختارت إسرائيل مواجهة إسبانيا بشكل أكثر حدة؟

يبدو أن موقف إسبانيا الرافض للاحتلال الإسرائيلي وتأييدها لفلسطين قد زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة. حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد إلكانو الملكي الإسباني للدراسات الدولية والاستراتيجية ارتفاع نسبة الدعم لحل الدولتين إلى 60% في أبريل الماضي، مقارنة بـ 40% في عام 2021. ويُعزى هذا الارتفاع إلى حد كبير إلى الضغط الشعبي والحركات الاجتماعية المناهضة للاحتلال.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية تنتمي للأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدعم إسرائيل، إلا أن إسبانيا تتميز بتوجه سياسي ينحاز إلى الشعب الفلسطيني. وتسعى مدريد إلى تغيير السياسة الخارجية لتحقيق تغيير في المواقف الدولية تجاه الصراع الفلسطيني.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التصريحات القوية التي أطلقتها الحكومة الإسبانية، بما في ذلك تصريحات من وزيرة العمل يولاندا دياز، التي دعت إلى "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر"، تشير إلى موقف حازم من القضية الفلسطينية.

ومع ذلك، فإن السياسة الخارجية لإسبانيا لا تعبر فقط عن توجهات سياسية، بل تعكس أيضًا تاريخًا ثقيلًا للعلاقات مع العالم العربي والإسلامي. ويعزى ذلك جزئيًا إلى التاريخ الإسباني الذي اشتهر بمحاكم التفتيش ومعاناة الجماعات الدينية في القرون الوسطى، مما يزيد من التأثر بالقضايا الإنسانية وحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الإسبانية المعاصرة.

ومع ازدياد الدعم للفلسطينيين داخل إسبانيا وتعاظم الضغط الشعبي على الحكومة لاتخاذ إجراءات أكثر حزمًا ضد إسرائيل، فإن التوترات بين إسبانيا وإسرائيل قد تزداد في الفترة القادمة، مما يعكس تحولًا ملحوظًا في الديناميات الدبلوماسية في المنطقة.


المصدر : Transparency News