بعد سنوات من الخلافات بين أهل القضاء والمدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، قرّرت السلطة القضائية الانقضاض على قاضية "العهد البرتقالي". وهذه الخطوة، سيكون عرّابها المدعي العام التمييزي الحالي، القاضي جمال الحجار، الذي يتجهز لاتخاذ إجراءات عقابية بحقها، نتيجة "تمردها" على قراراته.

معارك قضائية
في الأشهر الماضية، وبعد إحالة المدعي العام التمييزي السابق، القاضي غسان عويدات إلى التقاعد، زارت عون النيابة العامة التمييزية واجتمعت بالحجار مرّات عدة. ولكن الخلافات تجدّدت بعدما رفضت تبلّغ دعوى المخاصمة المرفوعة ضدّها. وتطور السجال بعد أن حوّل الحجار كتابًا إليها، طلب فيه الاطلاع على بعض الملفات، فرفضت. وردّت على كتابه برسالة صغيرة مكتوبة بـ"خط اليد"، مؤكدةً أنها لن ترفع يدها عن أي دعوى فيها مخاصمة، زاعمةً (وبأسلوب ساخر) أن القضاة يقومون "بالمعجزات".

ومن الواضح أن الكيديات هي التي أدت إلى نشوب هذا الصراع القضائي، وفي الآونة الأخيرة تمردت عون على رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود واستخدمت الكثير من الأساليب القانونية لردّه، بعد أن إلتأمت الهيئة العليا للتأديب التي يترأسها عبود للنظر في الاستئناف المقدم منها حول قرار صرفها من الخدمة. فهي تتعمد المماطلة والمراوغة لمنع السلطة القضائية من "تأديبها"، خصوصًا أنها ستحال إلى التقاعد في آذار العام 2025.

ولكن من جهة أخرى، ما لا يمكن التغاضي عنه هو أن عون هي القاضية الوحيدة التي تجرأت على ملاحقة حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة. وبالعودة إلى العام 2022، تنحى الكثير من القضاة عن هذا الملف وخافوا خوض هذه المعركة، كما حاول بعض القضاة مراعاة سلامة، وخصوصًا قاضي التحقيق الأول في بيروت السابق، القاضي شربل أبو سمرا، وحظي المطلوب دوليًا بجرائم اختلاس المال العام بمسايرة تامة داخل النيابة العامة التمييزية في عهد عويدات.

إجراءات عقابية
عمليًا، أثار رد عون "الخطي" حفيظة الحجار، وهو أمر متوقع، نسبةً للإهانة التي تحاول عون إلحاقها بأهل القضاء. فتوجه إلى وزير العدل، هنري الخوري طالبًا منه اتخاذ الإجراءات المناسبة وإلى التفتيش القضائي لمطالبته بالتحقيق معها في المخالفات التي ارتكبتها، وإحالتها أمام المجلس التأديبي للقضاة. وحسب معلومات "المدن"، فإن مجلس القضاء الأعلى قد أحال عون على التفتيش القضائي نتيجة تمردها على القوانين وتوجيه الإساءة إلى بعض القضاة.

داخل قصر عدل بيروت، الصراع القضائي ليس جديدًا. إذ سبق وأن حاول المدعي العام التمييزي السابق، القاضي غسان عويدات تكبيل عون، ومحاصرتها، حين أصدر تعميمًا طلب فيه وقف إجراءاتها التحقيقية والاستقصائية في ملف المصارف بشكل مؤقت. كما استخدم صلاحياته كمدعي عام تمييزي، حيث أن القانون أتاح له أن يقدم توجيهات خطية لأي نائب عام استئنافي أو مالي أو المحامين العامين. ويكون بذلك على قضاة النيابة العامة الالتزام بتوجيهاته الخطية في الشأن الذي يبدي رأيه فيه، وقد باشر الحجار باستخدام صلاحيات المدعي العام التمييزي في تعاطيه مع عون، حيث أنه طلب منها الاطلاع على بعض الملفات المصرفية التي أقيم على أساسها الدعاوى ضدها، إلا أنها رفضت هذا الأمر.

وحسب مصادر قضائية في حديث خاص لـ"المدن" فإن "إجراءات عقابية ستتخذ خلال الساعات المقبلة بحق القاضية عون، وذلك نتيجة تمردها على القانون، وستكون هذه الإجراءات شبيهة بتلك التي استخدمها عويدات ضد عون". ما يعني أن هناك خطوات جديدة ستفرض على عون، وسيتم تقييد عملها أكثر خصوصًا بما يتعلق بالملفات المصرفية.  


المصدر : المدن - فرح منصور