في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان، تتعقد مسألة الاستحقاق الرئاسي وتزداد المبادرات المطروحة دون تحقيق تقدم ملموس. بينما تتابع الدول الكبرى الشأن اللبناني بقلق دون إحداث خرق يُذكر، تبدو القوى الداخلية عاجزة عن الوصول إلى اتفاق رئاسي. ومع ذلك، يظل الحديث مستمرًا عن إمكانية إتمام الانتخابات الرئاسية بين يونيو ويوليو وسط مشاورات مكثفة وجهود داخلية وخارجية لتحقيق هذا الهدف.


لا توحي الأجواء في لبنان بقرب إتمام الاستحقاق الرئاسي، إذ تتكاثر المبادرات على الساحة دون الوصول إلى الهدف المنشود. وفي ظل عجز الدول الخمس المتابعة للشأن اللبناني عن إحداث أي خرق في جدار الأزمة، تبدو القوى الداخلية عاجزة عن تحقيق اتفاق رئاسي. ومع ذلك، يتزايد الحديث عن دفع لإتمام الاستحقاق الرئاسي بين يونيو ويوليو.

يأتي الحزب التقدمي الاشتراكي بمحاولة جديدة، وإن لم يتمكن من حل الأزمة، فقد ينال شرف المبادرة. إذ يؤدي دور الوسيط منذ عام تقريبًا، مجسدًا هذا الدور بعد اندلاع حرب غزة، محاولًا الحفاظ على علاقة مميزة مع المعارضة، وفتح قنوات تواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري و"حزب الله".

ورغم أن هذه المشاورات والمبادرات لا تعتبر مضيعة للوقت، إلا أنها تأتي في الوقت الضائع وسط غياب الحلول. فحراك تكتل "الاعتدال الوطني" المدعوم سعودياً وعربياً ومن اللجنة الخماسية لم يستطع حل الأزمة، ولن يتمكن "اللقاء الديمقراطي" من تحقيق ما لم يستطع تحقيقه حراك التكتل، رغم تحركه بعد زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان للبنان ولقاءاته مع الأطراف اللبنانية، وبعد زيارة جنبلاط إلى قطر.

ويتحدث بعض السفراء العرب والأجانب عن موعد يونيو ويوليو لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، مشيرين إلى أنه إذا لم يتم الاستحقاق في هذا الموعد فقد يتأجل إلى أجل غير معروف. يعود تحديد هذا التاريخ إلى عدة عوامل:

أولاً، تكثيف الحراك العربي والدولي، خاصة العمل القطري على الأرض وزيارة لودريان والمشاورات التي يجريها السفير السعودي وليد البخاري، ومحاولة اللجنة الخماسية إيصال الاستحقاق الرئاسي إلى بر الأمان.

ثانياً، العمل على إعادة تفعيل المبادرات الداخلية، عبر نصيحة اللجنة الخماسية لتكتل "الاعتدال الوطني" بالاستمرار في مبادرته رغم اصطدامها بمطالب الثنائي الشيعي، وتحرك "اللقاء الديمقراطي" المرتقب لمحاولة مد الجسور بين القوى المتخاصمة، وكذلك دخول "التيار الوطني الحر" على خط المبادرة الرئاسية.

ثالثاً، الرهان على انتهاء حرب غزة والوصول إلى تسوية خلال يونيو ويوليو، حيث سيؤثر هذا الأمر إيجابياً على لبنان والمنطقة، سواء نجحت مهمة فصل الاستحقاق الرئاسي عن حرب غزة أو فشلت، رغم أن الفشل هو الاحتمال الأكبر.

رابعاً، تحرك الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ومحاولته إيجاد تسوية حدودية تضمن عودة الأمن إلى جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وتطبيق القرار 1701، والبدء في ترسيم الحدود البرية بعد النجاح في ترسيم الحدود البحرية.

خامساً، محاولة دفع اللجنة الخماسية لإجراء الانتخابات الرئاسية بين يونيو ويوليو، إذ بعد هذا الموعد تنشغل واشنطن والعالم بالانتخابات الرئاسية الأميركية، مما يفقد الملف الاهتمام المطلوب. من الصعب إجراء الانتخابات أو أي تسوية رئاسية دون واشنطن.

رغم أن هذه العوامل موضوعية في محاولة القفز فوق الحواجز والتحضير لتسوية رئاسية، إلا أن عدم رغبة إيران في إبرام تسوية لبنانية في ظل إدارة أميركية قد ترحل بعد أشهر، وانتظارها الإدارة الجديدة للتفاوض على تسوية جديدة، يعقد الأمور.

في ظل هذه التعقيدات بين الداخل والخارج، تبدأ العراقيل في الزواريب الداخلية والحسابات المصلحية ولا تنتهي في عواصم القرار مثل واشنطن والرياض وطهران. إذا لم يستطع الخارج فرض إجراء الاستحقاق الرئاسي، فلن تتمكن القوى الداخلية من "لبننة" الانتخاب، إذ يتطلب قرار "اللبننة" مؤشراً خارجياً، حيث كانت الرئاسة اللبنانية دائمًا جزءاً من "البازار" الأكبر، ولن يكون هذا الاستحقاق مختلفًا عن سابقاته التي تدخل التسويات الخارجية في صلب إتمامها.


المصدر : Transparency News