تصدّر الهجوم المسلح على السفارة الأميركية في عوكر الاهتمام الأمني والقضائي، نظرًا للظروف الأمنية الحساسة التي يمر بها لبنان، وخصوصًا مع توسع دائرة النزاع المسلح بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، إلى جانب التهديدات الإسرائيلية بضرب العاصمة بيروت.

والهجوم المسلح الذي تعرضت إليه السفارة الأميركية في عوكر صباح اليوم الأربعاء 5 حزيران، دفع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى متابعة هذه القضية والاجتماع بوزير الدفاع الوطني موريس سلام، إضافة إلى التواصل مع قائد الجيش العماد جوزف عون لمتابعة التفاصيل المستجدة.

تحقيقات موسعة
أما قضائيًا، فحظيت هذه القضية باهتمام كبير، وباشرت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع القضاء اللبناني، وتحديدًا النيابة العامة التمييزية، لمتابعة هذه القضية بشكل كامل وإلقاء القبض على جميع المرتكبين. ونتيجة  التوسع بالتحقيقات، تمكنت مخابرات الجيش من التعرف على هوية مطلق الرصاص على السفارة الأميركية في عوكر. وحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن" فهو مواطن سوريّ، يدعى قيس فراج (منتصف العقد الثالث).   

وفي التفاصيل التي حصلت عليها "المدن"، فقد انطلق المدعو قيس فراج من منطقة مجدل عنجر متوجهًا نحو السفارة الأميركية في عوكر مستعينًا بوسائل النقل العام (وصل إلى عوكر بأحد الباصات)، حاملًا حقيبة صغيرة سوداء اللون، وبداخلها سلاح حربي وعدد كبير من الذخائر.

وحوالى الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وبعد وصوله إلى عوكر، بدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي على مداخل السفارة الأميركية، واستمر إطلاق النار لأكثر من نصف الساعة. وبدورها استنفرت عناصر من الجيش اللبناني المسؤولة عن حماية هذه المنطقة الحساسة، وأطلقت الرصاص عليه، وأصيب بـ3 رصاصات في منطقة البطن وفي قدمه ونقل إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، وأجريت له عملية جراحية، وهو بحالة صحية مستقرة. والأجهزة الأمنية بانتظار تحسن حالته الصحية للبدء باستجوابه.

وحسب مصادر قضائية رفيعة المستوى لـ"المدن"، فإن الأجهزة الأمنية بدأت بتفكيك خيوط هذه القضية. وتبيّن أن المرتكب مواطن سوري يقيم في لبنان منذ سنوات، وتحديدًا في منطقة مجدل عنجر البقاعية، ووصل إلى منطقة عوكر صباحًا، وبدأ بإطلاق عدد كبير من الرصاص بشكل عشوائي على السفارة الأميركية. وبعد إصابته بالرصاص، ألقي القبض عليه ليتبين أن العديد من شعارات داعش قد ألصقت على جعبته، ومن بينها شعار "الدولة الإسلامية"، إضافة إلى طبع بعض الأرقام الغامضة على جعبته، التي لم تعرف بعد ماهيتها.

وكانت مخابرات الجيش اللبناني قد بدأت بتطويق العديد من البلدات البقاعية، كما باشرت بمداهمة كل من منطقتي الصويري ومجدل عنجر بغية إلقاء القبض على أفراد من عائلة المسلّح. وقد أكدت المصادر القضائية لـ"المدن" أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على شقيقه وبدأت باستجوابه، لمعرفة الدوافع وراء فعلة أخيه، وللتأكد عما إن كان فعلًا قد انتسب إلى تنظيم داعش الإرهابي، أو أنه وضع هذه الشعارات على جعبته من أجل إخفاء حقائق أخرى. كما علمت "المدن" أن الشاب المسلح كان يتلقى الدروس الدينية لدى أحد الشيوخ في منطقة مجدل عنجر، وقد ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه للتحقيق معه، ويدعى مالك الحجة. وهو إمام مسجد أبو بكر الصديق.

خلايا إرهابية؟
ووفقًا للمعطيات الأولية، فلم يتأكد بعد وجود خلية إرهابية تتقصد استهداف السفارة الأميركية. وحسب المعلومات القضائية، فإن الأجهزة الأمنية قامت بتطويق كامل المنطقة المحيطة بالسفارة، ولم تعثر على أي شيء يثير الريبة، وباتت المنطقة آمنة. وقد تمكنت من العثور على الحقيبة السوداء التي كان يحملها المسلّح، وقد رماها على الأرض قبل أن يقترب من السفارة الأميركية. ولكن المصادر لم تنف إمكانية وجود خلايا إرهابية تتقصد إثارة البلبلة خلال هذه الظروف الحساسة، وتوقعت أن تكون هناك مجموعة تعاونت مع المسلّح من أجل تنفيذ هذه المهمة، إلا أن هذه المعطيات لم تؤكد ذلك، ريثما تنتهي الأجهزة الأمنية من تحقيقاتها بشكل كامل. إلا أن مصادر مطلعة عبّرت لـ"المدن" عن خطورة هذا الهجوم، خصوصًا إنه "تم التأكد من إنتماء الشاب المسلح إلى تنظيم داعش الإرهابي. وهو دلالة على أن هذه الخلايا النائمة قد تستيقظ فجأة وتبدأ بتنفيذ مخططات إرهابية لزعزعة الأمن في لبنان، إضافة إلى أن هذا الهجوم يشي بأن الوضع الأمني في لبنان ليس مستقرًا وعلى الأجهزة الأمنية التحرك للسيطرة على الوضع".  

في السياق نفسه، كشفت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني عن بعض المعطيات عن تورط آخرين من بلدة مجدل عنجر في هذا الهجوم المسلح، لا سيما أن أحد المشاركين في الحادثة (قيس فراج) من التابعية السورية يقطن مجدل عنجر، والمتورطون يشكلون شبكة تنتمي إلى داعش، وجميعهم من مجدل عنجر .

وداهمت مديرية المخابرات بمؤازرة من فوج التدخل السادس في الجيش اللبناني عدة منازل في مجدل عنجر وتم توقيف 5 أشخاص لبنانيين، كما أن التحريات ناشطة لتوقيف 5 أشخاص آخرين فيما لا تزال عمليات الدهم مستمرة.

"نصرةً لغزة"!
وفي المعلومات التي حصلت عليها "المدن" فبعد إصابة الشاب بالرصاص ونقله إلى المستشفى، لم يكن فاقدًا للوعي، وحاولت الأجهزة الأمنية الحصول على معلومات شخصية للتعرف على هويته الكاملة، إلا أنه ردد عدة مرات قبل أن يفقد وعيه "نصرةً لغزة"، "نصرةً لغزة". ما يعني أن الدافع الأساسي من إطلاق النار هو الاعتراض على الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة منذ أكثر من 8 أشهر. وامتعاضًا من دعم الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل في حربها على الشعب الفلسطيني.


المصدر : المدن - فرح منصور