جوزف بو هيا


في الأزمات السياسية، يُعتَبر الدستور المرجعية الأساسية لضمان استقرار الدولة وتنظيم عمل مؤسساتها. ومع ذلك، يشهد لبنان محاولات متكررة لتجاوز الدستور أو ربط الحلول بأُطُر حوارية تتجاوز النصوص الدستورية. هذا الواقع يثير تساؤلات حول دور الحوار في تعزيز أو تعطيل العملية الدستورية، خاصة في السياق اللبناني الحالي حيث يبدو أن التمسك بالحوار يعمق الأزمة الرئاسية. فكيف نفسر تجاهل الدستور وربط الحل بالحوار؟ وما تأثير المبادرات التي تشجع الحوار كمدخل لتطبيق الدستور؟

 

تجاهل الدستور
تجاهل بعض الأطراف السياسية للدستور وربط الحلول بحوار خارجه يمكن تفسيره بعدة دوافع:
1-    تأجيل الحلول: تسعى الأطراف المُعرقلة لانتخابات الرئاسة إلى تأجيل الحلول الحقيقية بانتظار تحسن الظروف السياسية أو الإقليمية لصالحها.
2-    ممارسة الضغط: استخدام الحوار كشرط مسبق يسمح للأطراف المُعطِلة بممارسة ضغط إضافي على الأطراف الأخرى، مما يُثبِّت مكاسبهم السياسية ويفرض رؤيتهم على العملية السياسية.
3-    تجنب المسؤولية: التركيز على الحوار هو محاولة لتجنب تحمُّل مسؤولية الأزمة، وإظهار أن المشكلة تتطلب توافقاً وطنياً واسعاً يتجاوز آلية الانتخاب كما ينص عليها الدستور.
بهذه الأساليب، يسعى بعض الأطراف إلى إعادة تشكيل توازن القوى لصالحهم، مُستخدمين الحوار كوسيلة لإضفاء الشرعية على ممارساتهم غير القانونية التي تتجاوز النصوص الدستورية الواضحة. هذا التجاوز المُتكرر للدستور يخلق بيئة من عدم الاستقرار الدائم، حيث تصبح القوانين عرضة للتغيير وفق مصالح الأطراف الأقوى. في ظل التقلبات السياسية، تسعى كل قوة جديدة لفرض قواعدها، مما يُعرِّض لبنان لأزمات حكم واضطرابات أمنية متكررة. بدون إطار قانوني واضح ومستقر، يصعب تحقيق تعايش وطني حقيقي.

 

المبادرات الحوارية كمدخل لتطبيق الدستور
بعض المبادرات تدعو إلى الحوار، تحت مُسمّيات متعددة، كمدخل لتطبيق الدستور، مُعتبرةً أن الحوار يمكن أن يكون وسيلة لتجاوز الجمود الحالي والتمهيد لتطبيق النصوص الدستورية. ومع ذلك، هذا النهج يُثير عدة إشكاليات:
1-    تعزيز الدستور: ينبغي أن يدعم الحوار تطبيق الدستور، لا أن يكون بديلاً عنه. إذا تم التركيز على الحوار دون الالتزام بالدستور، فإن ذلك يؤدي إلى تقويض العملية الدستورية.
2-    فرض شروط جديدة: تحويل الحوار إلى شرط إلزامي لتطبيق الدستور يسمح للأطراف بتعطيل النصوص الدستورية وفرض شروط جديدة عند كل استحقاق تتجاوز ما هو منصوص عليه. بهذا، يسقط دور الدستور كحَكَم بين القوى السياسية المُتنازِعة.
3-    تجاوز الدستور: الاعتماد على الحوار كوسيلة رئيسية لحل الأزمات يُرسِّخ ممارسات تتجاوز الدستور، مما يُعزز الفوضى ويضعف احترام النصوص الدستورية.

لم نشهد بعد مبادرة حقيقية تُحافظ على احترام الدستور وتدعو إلى تطبيق مبادئه بصرامة. كل المبادرات المطروحة تسعى إلى إرضاء الأطراف المُعطِّلة عبر جعل التجاوز القاعدة والقاعدة خطأ. هذا يقود إلى تراجع كبير في شرعية الدولة حيث تفقد المؤسسات الدستورية قوتها وسلطتها عندما يتم تجاوزها لصالح اتفاقات سياسية غير رسمية. بدلاً من حل الأزمة، تُعمق هذه المبادرات المشكلة وتزيدها تعقيداً، مما يؤدي إلى فقدان المواطنين الثقة في النظام السياسي وقدرته على تقديم حلول قانونية مستدامة.

 

الالتزام بالدستور ضرورة لاستقرار لبنان
في ظل الأزمة الرئاسية اللبنانية، الالتزام بالدستور هو أكثر من مجرد خيار قانوني؛ إنه ضرورة لضمان استقرار البلاد وتجنب الفوضى المتكررة. يجب أن يكون الحوار مُكمِّلاً للدستور، وليس بديلاً عنه. تجاوز الدستور وربط الحلول بحوار خارجه هو محاولة لتجنب المسؤولية وتوسيع النفوذ السياسي على حساب استقرار الدولة. الحل الحقيقي للأزمة اللبنانية يكمن في العودة إلى الالتزام بالنصوص الدستورية وتطبيقها بدقة، مع استخدام الحوار لدعم وتعزيز هذا الالتزام، وليس لتجاوزه. بدون إطار قانوني واضح وثابت، سيظل لبنان عالقاً في دائرة من الأزمات السياسية والفوضى.
بهذه الطريقة وحدها، يتحقق الاستقرار المُستدام والعدالة لجميع الأطراف، مما يُمكِّن لبنان من تجاوز الأزمات وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمناً.

 

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )