فريديريك الخرّاط


تستعر الحملات بين قوى المعارضة والممانعة والردود والردود المضادة مع استمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وانخراط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل.
وعلى هذا النحو، رد أمين عام حزب البعث العربي علي حجازي على رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل، غامزاً من قناة الانتخابات النيابية والأصوات التي حصدها "الكتائب" يومها. وكأن السيد حجازي يترأس تكتلاً نيابياً يمتد من بيروت إلى الشام، صاحب الرقم صفر في انتخابات 2022 وعلى قدر تأثير هذا الصفر، يؤثر حجازي نفسه داخل المجلس النيابي وعلى الساحة السياسية ويبدّل التوازنات. فهو فعلاً الرقم الصعب في الإطلالات التلفزيونية والصراخ على المنابر.
يعاير حجازي "الكتائب" بتاريخها، داعياً إياها لأن "تستحي". فكل من لم يتعامل مع سوريا يوم الحرب، ولم يتزلّم لحافظ الأسد كحجازي وحزبه وقاوم بوطنية غطرسة هذا النظام، طبعاً عليه أن يستحي نسبةً لمدرسة العمالة لسوريا. ألا يعلم حجازي أن "الصفر" الذي ناله هو نتيجة سياسات حزبه التي لفظها اللبنانيون من كل الأطياف؟ ففعلاً هي علامة مستحقة على أدائه بمستوى راسب، أكرمه بها الشعب اللبناني!
وفي سياق آخر، دعا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للترشح إلى رئاسة الجمهورية كونه أكبر زعيم مسيحي من حيث التمثيل الشعبي على حد تعبير فرنجية، ليتنافس الرجلان على الرئاسة فيربح من يربح. ويؤكد فرنجية أنه "وجعجع يمثلان الخيارين أفضل تمثيل". أي أن فرنجية يمثل خط الممانعة أفضل تمثيل، وجعجع يمثل الخط السيادي المعارض أفضل تمثيل.
ويضيف فرنجية أن "بهذه الطريقة نرد الاعتبار والهيبة للانتخابات الرئاسية ولمعركة وموقع الرئاسة، بدل أن نقلل من شأنها، وبذلك نكون قد احترمنا أنفسنا كموارنة".
دغدغ فرنجية مشاعر القواتيين، إلا أن ما بين السطور ليس ما هو في العلن. كما أن فرنجية لعب على وتر إغاظة قوى المعارضة، داعياً جعجع لفرض نفسه كمرشح على قوى المعارضة. فبهذا يفتت فرنجية هذه القوى المتراصة التي تقف عقبة أمام وصوله إلى بعبدا ويشتتها، وعندها يحجّم جعجع "أكبر زعيم مسيحي"، ليبقى وحده كمرشح جدي على الساحة السياسية.
يعلم جيداً جعجع ما يدور في ذهن فرنجية، إلا أن ما لا يعلمه فرنجية أن مقارنة نفسه بجعجع في غير مكانها لعدة أسباب. وقبل أن يدعو جعجع لأن يترشح، لماذا لا يدعو حليفه وولي أمره ومن يتبناه، رئيس حركة أمل نبيه بري لأن يفتح المجلس للدعوة لجلسة انتخاب رئيس بدورات متتالية؟ فعندها يكون للسيد فرنجية أمل الوصول إلى بعبدا.
أما أن يعرّف فرنجية عن نفسه منذ فترة أنه مرشح وسطي قادر على التواصل مع الجميع، واليوم يعرّف عن نفسه بأنه يمثّل فريقه أفضل تمثيل، فهو أيضاً تناقض يستخدمه البيك بحسب الحاجة.
فيما يخص المقارنة بينه وبين جعجع، فليس بترشيح الثنائي لحضرة فرنجية تُسترد الرئاسة اعتبارها وهيبتها. فبين ترشح فرنجية وجعجع فرق كبير في الشكل والمضمون. فرنجية انتظر الثنائي الشيعي ليرشحه واليوم يقف حجر عثرة أمام إتمام الانتخابات الرئاسية مع حلفائه على قاعدة "أنا أو لا أحد"، أما جعجع حين يترشح، فيترشح بنفسه حين يكون الظرف مناسباً، انطلاقاً من المصلحة الوطنية الكبرى.
فرنجية لا يتعدى تمثيله حدود زغرتا وخياره السياسي لا يمثل سوى نفسه بدعم مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسلاح غير الشرعي، فالموارنة والمسيحيون حدودهم أوسع من حدود بنشعي وإهدن وخياراتهم السياسية لا تتوافق مع خيارات محور الموت. أما جعجع فينطلق من قاعدة شعبية واسعة تمتد على مساحة الوطن، ممثلاً خياراً استراتيجياً مستقلاً يمثل خيار المجتمع المسيحي واللبنانيين السياديين بشكل عام.
فرنجية يخوض به الثنائي معركة الرئاسة كأداة، أما جعجع فيخوض بنفسه معركة السيادة كرأس حربة، داعماً بذلك خط المعارضة الذي هو في صلبها وعامودها الفقري. جعجع يرسم لنفسه وجمهوره الخطوط والسياسات العريضة، أما فرنجية فينتظر حليفيه ليرسما له الخطوط ويسير عليها. كما يقف حجر عثرة أمام إرادة الغالبية الساحقة من المسيحيين.
فانطلاقاً من كل ما سبق، تسقط مقارنة فرنجية ومقاربته، ويسقط معه تقديمه لنفسه على أنه منافس من بين الأقطاب المسيحية. فهو لا يتعدى خيار الشيعية السياسية البحتة، من حيث الشكل الذي تم تبني ترشيحه به وفي المضمون كونه ينتمي إلى محور الممانعة الذي لا يمت للتاريخ اللبناني بأي شكل وبعيد كل البعد عن الوجدان المسيحي، كما يدعم السلاح غير الشرعي وبصلة وثيقة مع تنظيم إرهابي، وبنظام نكّل واغتصب واعتدى على لبنان وشعبه ونهب مقدراته.
لا يرفع ترشيح "سليمان بك" من شأن رئاسة الجمهورية، ولا من هيبتها، فليستمر في تقديم الطاعة لأوليائه، وليترك ترشيحه والرئاسة لمن هم أولى بها...

 

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")