واجه لبنان صدمة اقتصادية جديدة مع إعلان البنك الدولي إلغاء توقعاته المستقبلية للبلاد بسبب حالة "عدم اليقين" المتزايدة نتيجة الأزمات الأمنية والسياسية المتفاقمة. يأتي هذا القرار في وقت تتصاعد فيه التوترات العسكرية على الحدود الجنوبية، وتتعمق الأزمات الداخلية مع استمرار الشلل السياسي والاقتصادي. يعكس هذا الوضع المتردي مستوى المخاطر العالية والضبابية التي تحيط بمستقبل لبنان، مما يضع البلاد في موقف حرج على الصعيدين الإقليمي والدولي.


تلقى لبنان ضربة جديدة بإعلان البنك الدولي عن إلغاء توقعاته الدورية ومؤشراته الاقتصادية للبلاد لما بعد العام الحالي، مبرراً القرار بحالة "عدم اليقين" المتزايدة نتيجة الأحداث الأمنية والسياسية التي تعصف بالبلاد. وفي مؤشر آخر على تفاقم الوضع، تم تصنيف لبنان ضمن الدول الأكثر عرضة للمخاطر الحربية والعنفية، حيث احتل المرتبة 134 عالميًا في مؤشر السلام العالمي، متأخراً عن ليبيا وإيران، وقبل فلسطين والعراق وسوريا.

يعكس هذا القرار الأخير للبنك الدولي، الذي شمل لبنان وسوريا جزئيًا واليمن اعتباراً من العام 2026، مدى تصاعد المخاطر والضبابية التي تكتنف الأوضاع الداخلية. هذا، في ظل استمرار تعثر انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ ما يقرب من عامين، وتواصل الشكوك حول فاعلية الحكومة المستقيلة منذ أكثر من عامين، والتي تقتصر مهامها على "تصريف الأعمال". يُذكر أن صندوق النقد الدولي قد اتخذ قرارًا مشابهًا قبل نحو عامين، بحجب التوقعات الخاصة بلبنان في تقاريره الدورية.

تفاقم هذه الأزمات الداخلية زاد بسبب المخاوف من توسع المواجهات العسكرية المستمرة في الجنوب منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى الفشل في تحقيق تقدم في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد مضي أكثر من عامين على الاتفاق الأولي. هذا الغموض السياسي والاقتصادي العميق يثير مخاوف واسعة من تراجع أوسع نطاقًا، خاصة مع خسائر مادية كبيرة تراكمها المواجهات اليومية في الجنوب، فضلاً عن الخسائر البشرية من ضحايا وجرحى ونازحين.

يشير أحد المسؤولين الماليين إلى أن الخطر يمكن أن يمتد ليشمل الاستقرار النقدي الذي حاول البنك المركزي الحفاظ عليه من خلال سياسات نقدية صارمة تبناها الحاكم بالإنابة وسيم منصوري منذ تسلمه مهامه قبل نحو عام. هذا قد يؤثر على التوازن الشكلي في إدارة موارد ومصروفات المالية العامة، والتي تعتمد خصوصًا على الامتناع عن سداد مستحقات ديون الدولة، مما يجعلها عاجزة عن معالجة الخسائر الناجمة عن المواجهات العسكرية.

تتزامن هذه المخاوف مع تحليلات بعثة صندوق النقد الدولي التي حذرت من المخاطر العالية المرتبطة بالصراع، خاصةً فيما يتعلق بإنتاج قدر كبير من عدم اليقين للآفاق الاقتصادية. بالإضافة إلى الأضرار في القطاع السياحي الحيوي، فإن التداعيات السلبية للصراع في غزة وتزايد القتال على الحدود الجنوبية للبنان تؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الضعيف، مما يسبب نزوحاً داخلياً وأضراراً في البنية التحتية والزراعة والتجارة في الجنوب.

وفي تقريره الأخير، قدر "معهد الاقتصاد والسلام" الأثر الاقتصادي للعنف في لبنان بنحو 8.36 مليار دولار، ما يعادل 6.55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما أسهم في تصنيف لبنان في مرتبة متأخرة دولياً وإقليمياً. وأشار البنك الدولي في تقريره عن "الآفاق الاقتصادية العالمية" إلى أن لبنان قد يسجل نمواً بنسبة 0.5 في المائة خلال العام الحالي، مع إلغاء التوقعات لما بعد 2024 بسبب حالة عدم اليقين الكبيرة. كما توقع التقرير استمرار ارتفاع نسبة تضخم الأسعار وبقاء معدلات الاستثمار منخفضة، رغم توقعات التعافي في القطاع السياحي الذي يبقى رهين التوترات الخارجية والمحلية.


المصدر : Transparency News