يوسف ي. الخوري - مخرج، المقاربة التاريخية بمشاركة نضال أيوب - صحافية


استكمل وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، زيارته إلى واشنطن، حيث أبلغ المسؤولين الأميركيين أنّ "إسرائيل عازمة على إرساء الأمن وتغيير الواقع على الأرض والوقت ينفد".  

مثل غالانت فعل أحد أسلافه، أرييل شارون، قبل أحد عشر يومًا على اجتياح إسرائيل للبنان في العام 1982، حين توجّه إلى واشنطن ليُبلغ المسؤولين فيها بأنّ "صبر الإسرائيليين بدأ ينفذ ولم يعد في وسعهم العيش والإرهاب يهدّدهم باستمرار"، واجتمع شارون حينها بأصحاب المناصب نفسها الذين يلتقيهم غالانت اليوم، أي وزير الدفاع، ووزير الخارجية، والموفد الخاص إلى الشرق الأوسط. 

أجواء الزيارتين هي نفسها بالرغم من مرور 42 سنة بينهما؛ الأوضاع تتفاقم في الشرق الأوسط وقد تفجّرها أدنى شرارة. طفح كيل الإسرائيليين وباتوا يهدّدون بعمليّة عسكريّة واسعة. الأمريكان يُريدون إعطاء مزيد من الوقت للحلّ الديبلوماسي. الإسرائيليون يسايرون الأمريكان بالرغم من قناعتهم بأنّ الحلول الديبلوماسيّة لم تعد تُجدي لوقف الحرب.

ولا يُمكن أن يغيب توقيتا الزيارتين عن ملاحظة أيّ متابع لمجرياتهما؛

الزيارة الأولى حصلت في إثر إعلان منظّمة التحرير الفلسطينيّة (16 أيّار 1982) أنّ "وقف إطلاق النار لم يعد قائمًا في جنوبي لبنان"، وأنّها "تعتبر نفسها حرّة في تكثيف نشاطاتها ضدّ إسرائيل في كافّة أرجاء العالم".

الثانية تحصل حاليًّا في إثر إعلان حسن نصرالله عن أنّ "اجتياح الجليل لا يزال واردًا"، وعلى وقع تهديده جزيرة قبرص.

ما أشبه اليوم بالأمس!

هل يقف لبنان على عتبة اجتياح إسرائيلي جديد لأراضيه؟

قد لا يكفي أن تتطابق مجريات الزيارتين لتكون مؤشّرًا واضحًا على قرب اندلاع الصدام الكبير كما في الـ 82، لكن ماذا لو توسّعنا في المقارنة بين الأحداث التي سبقت كلًّا من الزيارتين؟

1.      

بين عامي 1965 و1982: سقط على يد الفدائيين الفلسطينيين 1396 قتيلًا إسرائيليًّا، من بينهم أجانب.

في 7 أكتوبر 2023: العدد نفسه تقريبًا سقط على يد حماس في غضون ساعات.

2.      

أيّار - تمّوز 1981: سكّان الجليل و "إصبع الجليل" مهجّرون داخل بلادهم.

من أكتوبر 2023 إلى اليوم: سكّان شمال إسرائيل مهجّرون داخل بلادهم.

3.      

تمّوز 1981: نجح الأميركيون في تحقيق هدنة بين حكومة إسرائيل ومنظّمة التحرير على الجبهة الفاصلة بين جنوبي لبنان والجليل، استغلّتها المنظّمة لمضاعفة ترساناتها خلف خطّ وقف النار.

آب 2006: توصّل مجلس الأمن إلى وقف "حرب تمّوز" بين حزب الله وإسرائيل بموجب القرار 1701. بعد اندلاع الحرب في غزّة أخيرًا، تبيّن أنّ الحزب استفاد من القرار لمضاعفة ترساناته التي باتت تُقدّر بـ 150,000 صاروخًا ما عدا المسيّرات الهجوميّة.

4.      

1981: أدركت إسرائيل أنّ وقف إطلاق النار مع منظّمة التحرير لن يُجدي نفعًا، لأنّ المشكلة العميقة تكمن في ميثاق المنظّمة الذي ينصّ على "إلغاء الوجود الصهيوني في فلسطين"، ولا يُمكن حلّها إلّا "بقبع المنظمة من لبنان".

2024: إسرائيل بكبار مسؤوليها ومفكّريها وحاخاماتها باتت تعي أن الحلّ النهائي بعد 7 أكتوبر يتحقّق بتدمير الأصوليتين الإسلاميتين، حماس وحزب الله، الداعيتَين إلى "إزالة إسرائيل من الوجود".

5.      

1982: إسرائيل تريد حلّ نزاعها مع لبنان ومنظّمة التحرير بمعزل عن أزمة الشرق الأوسط. الولايات المتّحدة تُريد معالجة الأزمة القائمة ضمن إطار تسوية شاملة.

2024: (بالعكس) الأمريكان يُريدون الفصل بين معركة إسرائيل في غزة مع حماس، ومعركتها مع حزب الله في لبنان الجنوبي. الإسرائيليون يُريدون حلُّا نهائيًّا وشاملًا مع الحركات الأصوليّة حولهم.

6.      

أيّار 1982: أبلغ الإسرائيليون الأمريكان بأنّ كَيلَهم طفح وقد يهاجمون لبنان لطرد المنظمات الإرهابيّة منه. وزير خارجيّة أميركا، ألكسندر هيغ، دعا رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن إلى "ضبط النفس كليًّا"، فأجابه بيغن قائلًا: "لم يولد الذي سيحصل على موافقتي حتّى اشهد قتل اليهود على يد عدوّ متعطّش للدماء".

أيّار 2024: نتنياهو ردًا على قرار المحكمة الجنائيّة الدوليّة باعتقاله: "لن تقبل إسرائيل أبدًا بأيّ محاولة لتقويض حقّها الأساسي في الدفاع عن نفسها".

7.      

23 حزيران 1982: بعد احكام الحصار على بيروت الغربيّة، استؤنفت المفاوضات بين شارون وفيليب حبيب حول فك الاشتباك، وكان حبيب يقترح تجريد المسلّحين الفلسطينيين من سلاحهم، وتحويل منظّمة التحرير إلى منظّمة سياسيّة. عندها حسم شارون الموقف قائلًا: "عليهم أن يرحلوا وإلّا سيُصار إلى تصفيتهم... وفي وسعنا تصفيتهم من دون دخول بيروت".

أكتوبر 2023 – ...: ما يحصل في الجنوب اليوم هو تصفية لعناصر حزب الله من دون الدخول إلى لبنان.

هل هو التاريخ يُعيد نفسه؟ لا. هم الجَهَلة لا يتغيرون ويرتكبون المعاصي نفسها!!!

كان ينقصنا الجهاديين من سوريا والعراق واليمن وأفغانستان كي "يكتمل النقل بالزعرور" على غرار العام 1982 حين راحت إسرائيل تروّج في المحافل الدوليّة أنّ "بيروت الغربيّة أصبحت بؤرة للإرهابيين، وهي المصدّرة الأولى للإرهاب إلى كلّ نواحي الأرض".

وتلومون التاريخ مصدّقين بأنّه يعيد نفسه، وبأنّكم أضحية على مذبحه!!!

أين أصحاب السعادة النوّاب الذين خاضوا الانتخابات مقتنعين بإمكانيّة التغيير من الداخل!!؟ ألا يوجد بينهم نائب واحد يجرؤ على تقديم مشروع قانون لتطبيق الدستور والقرار 1559، ونزع سلاح حزب الله قبل فوات الأوان؟

أين الجيش لا يستنفر قدراته الميدانية ويمنع نحر الوطن وانزلاقه إلى حرب هي اشبه بالانتحار، وهو الذي لم ينتظر الأوامر للتصدي لثوار ١٧ تشرين يوم اهتزّت عروش المنظومة الفاسدة!!؟

أين النيابات العامة لا تتحرّك، وهي التي لا تنفك تتّهم المواطنين بتعريض السلم الأهلي للخطر لمجرّد تعبيرهم عن آرائهم بحريّة!؟ ألا يُعرّض سلوك حزب الله، منذ 8 أكتوبر الماضي، الداخل اللبناني للانفجار!؟ ألّا ينتهك هذا الحزب سيادة لبنان، ويعرّض استقلاله للزوال، ويدمّر جنوبنا الغالي ويتسبّب بتهجير أهله!!؟ أَوَلا يُعدّ كلّ هذا خيانة عُظمى توجب إنزال اقصى العقوبات بمرتكبها، حزب الله!!؟

لبنان لم يتجاوز الاجتياح في العام 1982 بزنود مدّعي المقاومة، بل لأنّ إسرائيل كانت تُدرك بأنّها لن تقوى على لبنان الكيان، العضو في الأمم المتّحدة، ولو كان ضعيفًا. لكن اليوم، لن يردع رادع إسرائيل ودولتنا هزيلة في جيبة المحتلّ حزب الله، وزعماؤنا الذين لا يتفقّون على صيانة جورة في الطريق يتغنّون بأنّ العداء لإسرائيل يجمعهم.

اِقرأوا التاريخ جيّدًا قبل أن يمحيكم من صفحاته، "واحذروا ما نزل في الأمم قبلكم من المُثُلات لسوء أفعالهم" (نهج البلاغة).

 

 

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News