وسط التطورات المتسارعة في المنطقة والتحديات المتزايدة على الساحة الدولية، يتراجع ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان إلى درجة غير مسبوقة من الإهمال. منذ أكثر من عام يظل كرسي الرئاسة في قصر بعبدا شاغرًا، دون أن يبدو في الأفق أي حل سياسي قريب. هذا الجمود السياسي يعكس حالة من الشلل في العمل السياسي الداخلي، وفتور الاهتمام الدولي، مما يفاقم الأزمة ويزيد من تعقيداتها.


يبدو أن الاستحقاق الرئاسي في لبنان تراجع إلى مرتبة متدنية على سلم الأولويات الداخلية والخارجية، في ظل التطورات المتسارعة والمضطربة في المنطقة. إذ نسي معظم اللبنانيين الفراغ الرئاسي الذي يسود كرسي الرئاسة في قصر بعبدا منذ أكثر من عام، حتى أن البعض بات يشكك في أن وجود رئيس أو عدمه يمكن أن يغير شيئًا في واقع الأمور.

على مستوى الحركة السياسية، يبدو أن جهود انتخاب رئيس جديد توقفت تمامًا، حيث لم يغادر أي فريق سياسي المربع الأول الذي وضع نفسه فيه منذ بدء الأزمة الرئاسية. جميع المبادرات الداخلية اصطدمت بجدار صلب من الآراء المتصلبة، ومع رفض الحوار، لا يوجد أي مؤشر يمكن الاعتماد عليه لإنتاج رئيس لبناني محض.

أما اللجنة الخماسية، فقد اختفت عن الساحة، حيث لم يرصد أي تواصل جماعي أو فردي لأعضائها مع الكتل السياسية منذ أسابيع، بعد أن انتهت جولاتهم المكوكية على المسؤولين بقناعة أن الحوار هو الطريق الأنسب لإيصال رئيس إلى قصر بعبدا. ولكن هذا الحل يواجه رفضًا من حزب الكتائب والقوات اللبنانية اللذين يصران على أن انتخاب الرئيس لا يحتاج إلى حوار بل إلى تحديد جلسة انتخاب، ويرفضان أن يكون الحوار برئاسة الرئيس نبيه بري.

حركة الموفدين لم تسفر عن أي تقدم ملموس، إذ كانت آخرها زيارة أمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، بالتزامن مع زيارة قام بها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي. بارولين شدد على أن المسيحيين ليسوا وحدهم المسؤولين عن تعطيل الانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى وجود أبعاد داخلية وخارجية للأزمة، لكن زيارته لم تحمل أي مبادرة حقيقية من الفاتيكان.

أما حسام زكي، فقد عبّر عن تضامن الجامعة العربية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لكنه لم يحمل أي مقترح رئاسي محدد، مكتفيًا بالتعبير عن مخاطر بقاء لبنان دون رئيس.

الاهتمام الدولي بالملف الرئاسي اللبناني تراجع بشكل كبير، حيث انشغلت فرنسا، التي كانت من أكثر الدول اهتمامًا بالملف اللبناني، بنتائج الانتخابات المبكرة التي فاز فيها اليمين المتطرف. في حال فشل التعايش بين الرئيس إيمانويل ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، فإن فرنسا ستنشغل بمشاكلها الداخلية، مما يعني تراجع اهتمامها بالشأن اللبناني لفترة طويلة.

الوضع ليس أفضل حالًا بالنسبة للولايات المتحدة التي تستعد لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يعني أن الملف الرئاسي في لبنان سيكون في ذيل أولويات الإدارة الأميركية، مع تركيزها على تبريد الجبهة الجنوبية للبنان ومنع توسع الحرب. حتى محاولة آموس هوكشتاين لمقايضة الملف الرئاسي بتهدئة الجبهة الجنوبية باءت بالفشل.

باختصار، يبدو أن الملف الرئاسي اللبناني في حالة جمود تام، مع تراجع الاهتمام الداخلي والخارجي به، واستمرار الفشل في التوصل إلى توافق سياسي يخرج لبنان من أزمته الرئاسية.


المصدر : Transparency News