في ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في المنطقة، تتشابك الأوضاع على جبهات عدة، من جنوب لبنان إلى الجولان السوري وغزة. يعيد «حزب الله» تصعيد حربه النفسية ضد إسرائيل بنشر مشاهد استطلاعية لمواقع حساسة، في وقت يشهد فيه لبنان الرسمي تحركات للتأكد من انعكاس الهدنة المرتقبة في غزة على الجنوب اللبناني. وبينما يواصل الحزب إبراز قوته وتعزيز معنويات أنصاره، تتعقد الحسابات الإقليمية مع بقاء تساؤلات حول قدرة الهدنة على تهدئة جميع الجبهات.


أفادت مصادر لبنانية أن مسؤولًا رفيعًا في «حزب الله» قد استشهد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارته في سوريا، وكشفت أنه كان مرافقًا لأمين عام الحزب حسن نصر الله قبل أكثر من خمسة عشر عامًا. وقد نعى الحزب «الشهيد المجاهد ياسر نمر قرنبش»، من دون أن يمنحه صفة قيادية. يُذكر أن قرنبش من مواليد عام 1970 ومن بلدة زوطر الشرقية في جنوب لبنان.

من جهة أخرى، أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن الهجوم أسفر عن استشهاد شخصين، يُرجّح أنهما من «حزب الله»، وإصابة ثالث بجراح خطيرة، وهو سوري الجنسية يعمل سائقًا ضمن صفوف الحزب. تم استهداف السيارة بطائرة مسيّرة إسرائيلية أثناء مرورها قرب حاجز عسكري تابع للفرقة الرابعة على طريق دمشق – بيروت في منطقة جديدة يابوس بريف دمشق. كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن المستهدف كان عنصرًا في قوة الدفاع الجوي لـ«حزب الله».

حرب نفسية... «الهدهد» بجزء ثانٍ

يواصل «حزب الله» تصعيد حربه النفسية ضد إسرائيل بنشر معلومات استخباراتية وصور لمواقع عسكرية واستراتيجية داخل الأراضي الإسرائيلية، سعيًا لتشكيل مناخ ردع يمنع إسرائيل من توسيع عملياتها ضد لبنان، خاصة بعد انتقالها إلى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة. في الشهر الماضي، عرض الحزب مشاهد لمواقع من نهاريا وصولاً إلى حيفا، تتضمن مقرات وقواعد عسكرية وأمنية. مؤخرًا، نشر الحزب مشاهد جديدة لمواقع عسكرية وأمنية في الجولان السوري المحتل، ضمن فيديو بعنوان «الهدهد: حلقة 2 - الجولان السوري المحتل».

الفيديو تضمن مشاهد استطلاع جوي لقواعد استخبارات ومقرات قيادية ومعسكرات في الجولان، مؤكداً أن الطائرات المسيرة التقطتها، كما عرض مشاهد لعناصر «حزب الله» وهم يقودون هذه المسيرات. 

من جانبها، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر عسكري قوله إن «المشاهد التي بثها حزب الله التقطت قبل نحو شهرين». فيما أفادت «القناة 12» الإسرائيلية بأن «حزب الله» يدير أيضًا حربًا نفسية بجانب العمليات العسكرية في الشمال، مشيرة إلى أن الجزء الثاني من سلسلة «الهدهد» يتضمن تصويرًا جويًا نوعيًا لمواقع مختلفة في الشمال، بما في ذلك مناطق حساسة في إسرائيل.

صور أقمار اصطناعية؟

يرى رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي، أن نشر «حزب الله» لمشاهد استطلاعية لمواقع إسرائيلية يهدف إلى إظهار قدراته العسكرية ورفع معنويات عناصره وبيئته، ويعد جزءًا من الحرب النفسية ضد إسرائيل، ليوحي بامتلاكه قدرات عسكرية تشكل عامل ردع.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أشار قهوجي إلى أن مقارنة بين «هدهد 1» و«هدهد 2» تظهر فرقًا كبيرًا في جودة الصور والمشاهد. وأوضح أن الفيديو الأخير يبدو أنه يحتوي على لقطات مأخوذة من أقمار صناعية وبارتفاع عالٍ، على عكس الفيديو الأول الذي يبدو بوضوح أنه تم التقاطه بواسطة طائرة مسيرة. ورجح قهوجي أن يكون الجانب الإيراني هو الذي وفر الصور والمشاهد الأخيرة.

من جانب آخر، نقلت شبكة «CNN» عن السفارة الأميركية في إسرائيل أن المواطن الأميركي الذي أصيب جراء إطلاق «حزب الله» صواريخ باتجاه شمال إسرائيل لم يكن يعمل لصالح الحكومة الأميركية. وأوضحت السفارة أنها تلقت معلومات بشأن إصابة مواطن أميركي عادي وتجمع المزيد من المعلومات، مؤكدة أن الشخص لا يعمل لصالح الحكومة الأميركية. وبسبب مخاوف الخصوصية، لم تقدم السفارة مزيدًا من التفاصيل.

هل تنسحب هدنة غزة على لبنان؟

بالتزامن مع التوترات، انشغل لبنان الرسمي بالتأكد من أن الهدنة المرتقبة في غزة ستسري أيضًا على الجنوب اللبناني. وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري: «أطمئن اللبنانيين، إن شاء الله ستكون هناك أخبار طيبة بالنسبة للوضع في الجنوب، ويتم وقف إطلاق النار في غزة قريبًا، وينسحب على جنوب لبنان».

ومع ذلك، يظل رياض قهوجي، رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما»، متشككًا في أن الهدنة في غزة ستسري تلقائيًا على الجنوب اللبناني. وأوضح قهوجي أن لدى إسرائيل مطالب تتعلق بتغيير الوضع على الجبهة الشمالية، وخاصة بسحب مقاتلي «حزب الله» وأسلحته إلى عمق 16 كلم، مضيفًا أن إسرائيل قد تكون تسعى لضربة لقدرات الحزب.

وأشار قهوجي إلى أنه من وجهة النظر الإسرائيلية، لا يوجد أي ربط بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، مرجحًا أن يتحول اهتمام إسرائيل إلى الشمال عند دخول جبهة غزة في المرحلة الثالثة، أي العمليات المنخفضة الوتيرة.

 

 


المصدر : الشرق الأوسط