شهدت ليلة السبت جنوب لبنان توتراً متصاعداً إثر الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت بلدة عدلون، مما دفع بالعشرات من سكان القرى المحيطة إلى النزوح خوفاً من تداعيات الهجمات. وأسفر التصعيد عن إصابة عدد من المدنيين، فيما ردّ «حزب الله» بقصف صاروخي على شمال إسرائيل، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة. هذه التطورات تأتي في سياق تصاعد النزاع، حيث تتبادل الأطراف الضربات وسط مخاوف من تصعيد أكبر.


أخلى اللبناني محمد (34 عاماً) منزله في بلدة أنصارية بجنوب لبنان ليل السبت، متوجهاً شرقاً إلى أصدقائه في بلدة البابلية الجنوبية أيضاً، خوفاً على ولديه من الشظايا الناتجة عن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت سهل عدلون، البلدة الساحلية القريبة.

قال محمد لصحيفة «الشرق الأوسط»: «لم أستطع الانتظار أكثر من ربع ساعة. كان هاجس سقوط الشظايا يراودنا»، وذلك بعد سماع أصوات الانفجارات المتتالية ورؤية الوميض القادم من بلدة عدلون.

محمد هو واحد من عشرات الأشخاص الذين غادروا منازلهم في القرى المحيطة ببلدة عدلون، بعدما استهدفت الطائرات الإسرائيلية مستودع ذخيرة لـ«حزب الله» في أحد بساتين البلدة الواقعة في قضاء الزهراني. سمع السكان انفجارين عنيفين، تلتها سلسلة انفجارات أخرى استمرت لأكثر من ساعتين، بمعدل 3 انفجارات في الدقيقة، مع وميض نيران يلمع في السماء. وصف سكان المنطقة هذه الأحداث بأنها «أقسى أيام الحرب» في جنوب لبنان منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

تقع عدلون على بعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل، في منطقة وسطى بين مدينتي صيدا وصور، ومحاطة بالبساتين المحاذية للشاطئ البحري. البلدة تعرضت سابقاً لغارتين؛ الأولى اغتالت عنصراً من «حزب الله» كان يقود سيارته على الطريق الرئيسية، والثانية دمرت منزلاً وقتلت امرأة مدنية كانت تقيم فيه. الغارة الأخيرة وقعت بعيداً عن التجمعات السكنية، وفقاً لسكان البلدة، لكن تكرار الانفجارات وانطلاق صواريخ من الذخائر المخزنة أثار الهلع.

رعب لا محدود

عاش سكان المنطقة المحيطة ببلدة عدلون ليلة قاسية ملأها الخوف والقلق. تكرر سؤال «متى ستنتهي الانفجارات؟» بين الناس، بينما كانت رنا، أم لثلاثة أطفال ومقيمة في عدلون، تبكي عبر إحدى مجموعات «واتساب»، متسائلة عن طبيعة الأصوات المدوية. لم يمتلك أحد إجابات واضحة عن ما يحدث، وزاد الغموض من الرعب الذي انتشر بين السكان.

توجه سكان البلدات المحيطة، مثل أنصارية والصرفند والسكسكية، باتجاه عدلون لمحاولة فهم ما يجري، لكن الجيش اللبناني حال دون اقترابهم، حيث أغلق الطريق الساحلي والأوتوستراد السريع، مما عزل المنطقة عن موقع الانفجارات.

المتطوعون في «الدفاع المدني» من بلدات الصرفند والغسانية والبابلية والخرايب والزرارية، تم منعهم من الاقتراب وألزموا بالعودة. السكان هنا وصفوا ما يجري بأنه «مهول»، ما اضطرهم لاتخاذ تدابير لتعزيز السلامة العامة.

إسراء (20 عاماً) قالت لـ«الشرق الأوسط» إن والدها أجبرهم على البقاء في غرفة في الجهة الشرقية من المنزل؛ تجنباً للشظايا المحتملة على الشرفة التي كانوا يتجمعون عليها. أمضت العائلة الوقت تتابع مجموعات «واتساب» للحصول على أي تفاصيل، بينما كان دوي الانفجارات يملأ الأجواء. بعض السكان صعدوا إلى أسطح المنازل لمشاهدة الوميض القادم من الغرب، في محاولة لفهم ما يحدث.

إسرائيل تتبنى الضربة

أكد الجيش الإسرائيلي، الأحد، استهدافه مستودع ذخائر لـ«حزب الله» منتصف ليل السبت. وذكر في بيان: «خلال الليلة الماضية، أغارت طائرات حربية على مستودعين للأسلحة في منطقة جنوب لبنان، يحتويان على قذائف صاروخية ووسائل أخرى».

وكانت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية قد أفادت، ليل السبت، بأن غارة إسرائيلية استهدفت مستودع ذخائر في بلدة عدلون الواقعة بين صيدا وصور. وأضافت الوكالة أنه تم قطع أوتوستراد صيدا-صور في الاتجاهين، وتحويل حركة السير إلى الطرق الداخلية. وفي يوم الأحد، أعلنت الوكالة ارتفاع حصيلة الجرحى المدنيين إلى ستة، ووصفت إصاباتهم بأنها «متوسطة».

تطايرت شظايا الانفجارات إلى القرى المجاورة، حيث سقطت إحداها في بلدة برج رحال، وأخرى في الخرايب، وشظيتان في أنصارية، وأخرى في اللوبيا. واضطر الجيش اللبناني إلى قطع الطرق الرئيسية، وتحويل حركة المرور من طريق صور-صيدا إلى الطرق الفرعية المؤدية إلى القرى المحيطة.

رد «حزب الله»

أعلن «حزب الله»، الأحد، عن قصفه شمال إسرائيل بصواريخ كاتيوشا، رداً على القصف الإسرائيلي لبلدة عدلون، والذي أسفر عن إصابة ستة مدنيين بجروح. وقال الحزب في بيان: «رداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي التي طالت المدنيين في بلدة عدلون وأصابت عدداً منهم بجروح»، استهدفنا منطقة دفنا في شمال إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن المجلس الإقليمي لبلدات الجليل الأعلى تأكيده تضرر مبانٍ في كيبوتس دفنا وكفار سولد جراء سقوط الصواريخ القادمة من لبنان.

وفي تطور آخر، استهدف الجيش الإسرائيلي منزلاً في حولا، مما أسفر عن مقتل شخصين. ونعى «حزب الله»، في ثلاثة بيانات منفصلة، ثلاثة من مقاتليه قال إنهم قُتلوا «على طريق القدس»، دون تحديد موقع استهدافهم. وقالت مصادر ميدانية إن أحدهم قُتل في غارة استهدفت بلدة الشهابية ليل السبت، فيما قُتل الآخران في استهداف حولا.

كما أعلن «حزب الله»، في بيانين منفصلين، عن استهداف موقعين إسرائيليين في تلال كفرشوبا، هما موقع الرمثا وموقع السماقة.

وكان «حزب الله» وحليفته حركة «حماس» الفلسطينية قد أعلنا، السبت، إطلاق وابلاً من الصواريخ على مواقع إسرائيلية، رداً على ضربة أدت إلى إصابة مدنيين في جنوب لبنان وسقوط ضحايا في غزة.

وأكد «حزب الله» أنه أطلق «عشرات صواريخ الكاتيوشا» على دفنا، وهي منطقة في شمال إسرائيل استهدفها لأول مرة «رداً على الاعتداء على المدنيين». من جهتها، أعلنت «كتائب القسام» أنها أطلقت وابلاً من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه موقع عسكري إسرائيلي في الجليل الأعلى «رداً على المجازر الصهيونية بحق المدنيين في قطاع غزة»، بحسب البيان.

 

 


المصدر : الشرق الأوسط