يبدو أن كل المؤشرات العسكرية والسياسية تؤكد وجود تحولات إقليمية تلوح في الأفق، من شأنها إحداث تغييرات حتمية في العلاقات الدولية وإعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة، في ضوء ارتباط المسائل مع بعضها البعض.

 

فما حدث من تصعيد إسرائيلي _ يمني في الأيام الأخيرة يُعتبر الأول من حيث الحجم، والضربة الإسرائيلية تشير إلى إمكانية توسيع مسار الحرب، وذلك بعد مرور قرابة تسعة أشهر على بدء عملية "طوفان الأقصى".

لم تتوقف إسرائيل وآلياتها الحربية عن الفتك بالشعب الفلسطيني من خلال ارتكاب أبشع جرائم الإرهاب والحرب على أنواعها، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية. وقد استغلت إسرائيل عملية "طوفان الأقصى" لتنفيذ مخططاتها، وقد ساندتها الولايات المتحدة في دعمها، حيث لم تبخل بإمدادها بأحدث أنواع الأسلحة والتقنيات العسكرية التي تمتلكها.

وكان اللافت طيلة الفترة الماضية، وتحديداً منذ السابع من تشرين الأول الماضي حتى اليوم، هو اقتصار عمل القوات الحوثية على القيام بهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها. هذا الأمر أدى إلى إرباك كبير في حركة الملاحة والتجارة البحرية من خلال إمساكها بالمضائق المؤدية إليها، دون الهجوم على إسرائيل بشكل مباشر. رغم ذلك، تمكنت القوات الحوثية من خلال استهدافها البحري من التضييق على إسرائيل والتأثير عليها بشكل مباشر في عملياتها التجارية، وشل عمل مرفأ إيلات بشكل كلي. لكن العمليات الحوثية تطورت في الأيام الماضية بشكل مفاجئ من خلال إطلاق طائرة مسيرة إلى الداخل الإسرائيلي، وتحديداً إلى مدينة تل أبيب التي لها رمزيتها بالنسبة لإسرائيل. هذا الاعتداء أدى إلى أضرار بشرية ومادية، مما دفع إسرائيل إلى اتخاذ قرار حاسم بالرد هذه المرة بشكل مباشر، وبتغطية من الولايات المتحدة الأميركية. إذ كانت قد أوكلت سابقاً هذه الجبهة، بالاتفاق مع الدول الغربية، إلى القوات الأميركية وبعض القوات الغربية الداعمة لها من حلف شمال الأطلسي للتصدي للمسيرات والصواريخ القادمة من اليمن باتجاه إسرائيل.

وكأن إسرائيل أرادت هذه المرة توجيه رسالة حاسمة إلى كل من يعنيهم الأمر، وليس فقط إلى الحوثيين، بأنها قادرة على إلحاق خسائر فادحة بأي جهة قد تقدم على الاعتداء عليها سواء من خلال الطائرات المسيرة أو الصواريخ العابرة لمسافات طويلة. فبالرغم من المسافة الطويلة بين اليمن وإسرائيل التي تقارب ٢٠٠٠ كلم، استطاعت إسرائيل القيام بعملية نوعية واستهداف ميناء مدينة الحديدة اليمنية من خلال ١٢ طائرة إسرائيلية، أغارت على الميناء وتسببت بسقوط قتلى وجرحى من الحوثيين واندلاع حريق هائل في منشآت النفط. بُعيد هذه الحادثة، نُقل عن متحدث باسم الحوثيين قوله إن القوات الحوثية "لن تلتزم بأي قواعد اشتباك مع إسرائيل".

وتأكيداً على ذلك، فقد استمر التصعيد من قبل القوات الحوثية التي أعلنت أنها استهدفت مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر في إسرائيل بعدة صواريخ، بينما قالت إسرائيل الأحد إن دفاعاتها الجوية اعترضت صاروخ سطح-سطح أُطلق من اليمن.

تشير هذه التطورات إلى إمكانية أن نشهد في الأيام المقبلة تصعيداً نوعياً على الصعيد الجبهة اليمنية-الإسرائيلية، مما ينذر بمزيد من التأزم. من المتوقع أن تتصاعد العمليات العسكرية بين الحوثيين وإسرائيل، وهذا الأمر من شأنه أن يمنح إسرائيل فرصة للقيام بعمليات نوعية أخرى تستهدف مواقع حساسة في اليمن الشمالي، بينما قد توسع القوات الحوثية من جهتها ضربات على إسرائيل بدعم من أسلحة إيرانية.

وبحسب المتابعين، فإن إسرائيل التي ارتاحت نوعاً ما على مستوى الجبهة الداخلية في نطاق قطاع غزة، يبدو أنها تسعى الآن إلى رفع وتيرة اعتداءاتها على كل من لبنان واليمن، وبالتالي تكون قد استطاعت تغيير قواعد اللعبة على أمل أن تنجح في وقف هاتين الجبهتين.

وبموازاة ذلك، يبدو أن إسرائيل ضاقت ذرعاً بأذرع إيران التي تستغلها وتمولها وتزودها بالأسلحة النوعية القادرة على اجتياز المسافات الطويلة، بما في ذلك الأسلحة الذكية من مسيرات وصواريخ نوعية. لذلك من غير المستبعد، وبحسب المراقبين، أنه مع اقتراب الانتخابات الأميركية، أن تتوجه إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية للقيام بغارات نوعية داخل إيران تطال مواقع هامة.

أما على صعيد الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، فإن كل الدلالات تشير حتى الآن إلى استمرار "الستاتيكو" المتبع بين إسرائيل من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، من خلال التركيز في الضربات على الأهداف العسكرية من الجهتين، وذلك برغبة من الولايات المتحدة الأميركية التي لا زالت تصر على تجنيب لبنان حرب واسعة. ولكن مهما يكن، وبحسب المتابعين، فإن كل الاحتمالات تبقى واردة، علماً أن إيران تحاول إبعاد الحرب عن أراضيها مع استمرارها بدعمها لحلفائها.

ولكن إسرائيل تريد أيضاً أن تثبت لـ"حزب الله" أنها تحتفظ بكثير من المعلومات الهامة جداً عن مخازن الأسلحة التابعة للحزب، بموازاة المعلومات الدقيقة التي تملكها بشأن قياديه. وقد نشهد في الأيام المقبلة ضربات قاسية من قبل إسرائيل لمخازن أسلحة الحزب كما حصل في عدلون ليلة السبت الماضي، مما يشكل ضغطاً شعبياً على "حزب الله" الذي يستعمل الشعب اللبناني متراساً لمخازنه العسكرية وقياديه.

وقد شهدت الجبهة الجنوبية يوم الأحد حماوة لافتة وقصفاً عنيفاً متبادلاً بين القوات الإسرائيلية و"حزب الله".

وبالانتظار، تبقى الأنظار شاخصة إلى التطورات السياسية والعسكرية المقبلة لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود.


المصدر : Transparency News