كشفت دراسة حديثة عن كيفية استغلال الخلايا السرطانية للطفرات الجينية للتهرب من جهاز المناعة، مع التركيز على دور جينات إصلاح الحمض النووي. هذه الطفرات تعمل كمفاتيح جينية، مما يساهم في تعزيز نمو الورم وحمايته من الاستجابة المناعية. الدراسة، التي نُشرت في مجلة "نيتشر جينيتكس"، تسلط الضوء على آليات جديدة يمكن أن تُحدث ثورة في طرق علاج السرطان وتطوير العلاجات المناعية الفعّالة.


دراسة جديدة تستكشف كيفية استغلال الخلايا السرطانية للطفرات الجينية للتهرب من جهاز المناعة، مع التركيز على جينات إصلاح الحمض النووي (DNA) التي تتحكم في معدلات الطفرات داخل الخلايا السرطانية. هذه الطفرات تساعد في نمو الورم والتهرب من المناعة، حيث يمكن للسرطان إنشاء وإصلاح الطفرات بشكل متكرر، مما يجعلها "مفاتيح جينية" للتحكم في نمو الورم حسب الحاجة.

 قانون التوازن التطوري

أظهرت دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر جينيتكس" في 3 يوليو 2024 أن الخلايا السرطانية تستغل آليات إصلاح الحمض النووي المعيبة لتعزيز نمو الورم، وتعود إلى وضع الإصلاح لحماية المناطق الجينومية الأساسية والتهرب من جهاز المناعة. لاحظ الباحثون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمركز الطبي الجامعي في أوتريخت بهولندا، أن خلايا سرطان الأمعاء يمكنها تنظيم نموها باستخدام مفتاح التشغيل والإيقاف الجيني، مما يزيد من فرص بقائها.

 سرطان الأمعاء

يعد السرطان مرضًا وراثيًا ناتجًا عن طفرات في الحمض النووي، حيث تتعرض الخلايا لتلف الحمض النووي طوال الحياة. طورت الخلايا السليمة استراتيجيات لحماية الشفرة الوراثية، ولكن تراكم الطفرات في الجينات الرئيسية يمكن أن يؤدي إلى تطور الأورام. سرطان الأمعاء هو رابع أكثر أنواع السرطان شيوعًا في المملكة المتحدة، مع حدوث نحو 43 ألف حالة سنويًا، وازدياد الحالات بين الأشخاص دون سن الخمسين في العقود الأخيرة.

 المفاتيح الجينية

تشير الدراسة إلى الدور الحاسم لجينات إصلاح الحمض النووي، خصوصًا جينات "MSH3" و"MSH6"، في تعديل معدلات الطفرات. وجد الباحثون أن الطفرات في هذه الجينات ترتبط بحجم كبير من الطفرات في الأورام، ما يشير إلى تأثيرها الكبير على سلوك الورم.

التهرب المناعي

يقول الدكتور مارنيكس يانسن من معهد "UCL" للسرطان في جامعة كوليدج لندن إن قدرة الخلايا السرطانية على تعديل معدلات الطفرة تؤثر مباشرة في تهربها من جهاز المناعة. يمكن لمعدلات الطفرات المرتفعة أن تولد مستضدات جديدة تجذب الخلايا المناعية، ولكن من خلال التحكم في هذه المعدلات، يمكن للأورام تقليل ظهورها لجهاز المناعة وتجنب تدميرها. استهداف هذه المفاتيح الجينية قد يعزز فعالية العلاجات المناعية.

 تحليل العينات

تشير التقديرات إلى أن نحو 20% من حالات سرطان الأمعاء ناجمة عن طفرات في جينات إصلاح الحمض النووي، التي تساعد الأورام على النمو وتزيد من قابليتها للاكتشاف بوساطة الجهاز المناعي. استخدم الباحثون نماذج خلايا معقدة تُعرف باسم "العضيات" organoids لزراعتها في المختبر من عينات ورم المريض، مما ساعد في إثبات تأثير طفرات إصلاح الحمض النووي على معدلات الطفرة والتهرب المناعي.

الفوضى الجينية

قال الدكتور حمزة كايهانيان من معهد "UCL" للسرطان إن الخلايا السرطانية أعادت توظيف هذه المساحات المتكررة في الحمض النووي كـ"مفاتيح تطورية" لضبط مدى سرعة تراكم الطفرات. هذا يشبه ما يحدث في مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، حيث تطور البكتيريا مفاتيح وراثية لزيادة الطفرات عند مواجهة المضادات الحيوية.

توفر هذه الدراسة رؤى جديدة حول الاستراتيجيات التكيفية للخلايا السرطانية، مما يفتح آفاقًا لتعزيز علاج السرطان من خلال تطوير علاجات تستهدف هذه المفاتيح الجينية لتحسين فعالية العلاج المناعي.


المصدر : الشرق الأوسط