لبنان، البلد الذي عانى طويلًا من الحروب والدمار، لا يريد تكرار هذه التجارب المأساوية. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية تجعل من المستحيل تحمل تكلفة حرب جديدة. التضامن مع الفلسطينيين لا يعني الانجرار إلى حرب لا نهاية لها. الحرب الدائمة التي يروج لها حزب الله لا تعني سوى المزيد من الدمار والانهيار للبنان. لهذا، يرفض اللبنانيون الحرب ويتمسكون بحقهم في العيش بسلام واستقرار، ويعملون من أجل مستقبل أفضل بعيدًا عن ويلات الحروب والصراعات.

لاسيما أنه يواجه تحديات هائلة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. في ظل هذه الأوضاع المتردية، يظهر بوضوح أن اللبنانيين يرفضون الحرب بكل أشكالها، ويدركون أن الانجرار إلى حرب جديدة سيكون كارثيًا على البلد الذي يفتقر لأدنى مقومات الصمود. هذا المقال يستعرض الأسباب العديدة التي تجعل لبنان غير راغب في الحرب، ويبرز التداعيات المحتملة لمثل هذه المواجهات.

الأوضاع الاقتصادية المتدهورة

الأزمات الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ سنوات جعلت الحياة اليومية للبنانيين أشبه بالجحيم. فقد انهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل كبير، مما جعل المواطن اللبناني غير قادر على تأمين لقمة عيشه. الدولة اللبنانية عاجزة عن تأمين أدنى حقوق مواطنيها، سواء في مجال الصحة أو التعليم أو الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة تجعل من المستحيل تقريبًا تحمل تكلفة حرب جديدة. ففي حال اندلاع حرب مع إسرائيل، ستكون الكلفة الاقتصادية والإنسانية باهظة جداً. تشير الأرقام إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمباني والمؤسسات جراء القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان خلال سبعة أشهر تجاوزت ملياراً ونصف المليار دولار. هذه الأضرار تشمل المنازل والمؤسسات والحقول الزراعية، وهو ما يعني أن التكاليف المستقبلية لأي حرب ستكون أكبر بكثير.

 

 النزوح والتدمير

أحد النتائج الفورية لأي حرب هو النزوح الجماعي للسكان. في الجنوب اللبناني، أجبر أكثر من 120 ألف شخص على النزوح من منازلهم، خاصة من القرى الحدودية، ولم يتمكن هؤلاء من العودة حتى الآن. هذا النزوح يزيد من الأعباء على الدولة اللبنانية التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة، وتجعل من الصعب توفير المأوى والرعاية لهؤلاء النازحين.

إضافة إلى ذلك، فإن البنية التحتية في لبنان تعاني من تدهور كبير. آلاف الوحدات السكنية تضررت جزئيًا أو كليًا جراء القصف، كما أن المنازل المهدمة كليًا تقدر بأكثر من 2000 منزل. في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، من المشكوك فيه قدرة الدولة اللبنانية على دفع تعويضات للمتضررين أو إعادة إعمار ما تهدم، مما يزيد من حدة المعاناة الإنسانية.

 التضامن مع الفلسطينيين ورفض الحرب

رغم تضامن اللبنانيين مع الفلسطينيين وأهل غزة، فإنهم يرفضون الانجرار إلى الحرب. هذا التضامن يعكس شعورًا عميقًا بالعدالة والدعم للقضية الفلسطينية، إلا أن اللبنانيين يدركون أن الدخول في حرب سيكون له تداعيات كارثية على بلدهم. الحرب تعني المزيد من الدمار والمجازر، كتلك التي شهدها قطاع غزة، ولا يريد اللبنانيون تكرار هذه المآسي في بلادهم.

يبدو واضحًا أن اللبنانيين يعبرون صراحة عن قلقهم بشأن الأيام المقبلة إذا ما اتسعت رقعة الحرب وألحقت إسرائيل بلبنان الدمار. إنما ثمة تفاوت في النظرة إلى الحرب وطبيعتها بين اللبنانيين، لكن القاسم المشترك بينهم هو رفضهم القاطع للحرب.

 حزب الله ومشروع الحرب الدائمة

حزب الله، الذي يعتبر لاعبًا رئيسيًا في الساحة السياسية والعسكرية اللبنانية، يحمل مشروعًا مختلفًا يقوم على الحرب الدائمة. هذا المشروع يفرض على لبنان أن يكون دائمًا في حالة استعداد للمواجهة، مما يعيق أي جهود للتنمية والاستقرار. 

كلما عبر ناشط أو إعلامي عن رفضه للحرب، يواجه حملة من السباب والشتائم من قبل الجيش الإلكتروني لحزب الله. هذه الحملات تهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة وتأكيد سيطرة حزب الله على القرار العسكري والسياسي في لبنان. كشف الهاشتاغ المتداول "لبنان لا يريد الحرب" مدى الانشقاق العميق في المجتمع اللبناني بين أغلبية ترفض الحرب وأقلية تفرض أجندتها بالقوة.

 نتائج الحرب المستمرة

الاستعداد الدائم للحرب يؤدي إلى انهيار الدولة وتعميم الفساد. الدولة اللبنانية تعيش حالة من الفساد المنظم حيث يتم نهب الموارد بشكل منهجي. الطبقة السياسية تلعب أدوارًا شكلية، تجلس على كراسي السلطة الفارغة مقابل عطاءات جزيلة في النهب المنظم. الاستعداد للحرب يعني إبقاء لبنان رهن إشارة غرفة عمليات في طهران، تدير المناوشة وتجلس على طاولة المفاوضات لتقطف ثمار دمار الآخرين ودمائهم.

لهذه الأسباب، يتحسس حزب الله من معادلة "لبنان لا يريد الحرب". هي الأسباب نفسها التي تجعل أغلبية اللبنانيين يتمسكون برفض الحرب من دون مواربة أو خوف.


المصدر : Transparency News