فريديريك الخراط


بين الأزمات العديدة التي تعصف بلبنان، بدءاً من الحرب التي قد تتوسع في ظل التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، يتصدر التيار الوطني الحر المشهد السياسي منذ أيام، مع استقالات وفصل لشخصيات من المستوى الرفيع، التي تأسس معها التيار، واعتاد التياريون عليها في القيادة، حتى أصبحت جزءاً من "نوستالجيا" التيار.

يكثر الشامتون بالمصائب التي تضرب التيار، بعد أن انهال هذا التيار على مدى عقود بالضربات والويلات على الشعب اللبناني نتيجة خياراته الاستراتيجية الخاطئة وممارساته السياسية المبنية على الفساد والصفقات، وتسليم الدولة إلى محور الممانعة.

لم تكن تلك الأحداث التي أقدم عليها التيار مفاجئة، لا على المستوى الداخلي ولا حتى بالنسبة لخصومه. فقد تسربت أخبار عن صراعات يتخبط بها التيار بين جناحين على الأقل داخله، منذ ما قبل الانتخابات النيابية: الأول بقيادة رئيسه النائب جبران باسيل، والثاني يتألف من معارضيه، وغالبيتهم من المؤسسين الذين كانوا موجودين قبل انضمام باسيل إلى التيار.

سبق أن هجر التيار قسم كبير من القياديين والمحازبين قبل الانتخابات النيابية، وسط تخبّط عاشه التيار، ومنهم حكمت ديب وماريو عون، وبعدها زياد أسود.

لم يكن من قبيل الصدفة أن يقدم باسيل على خطوة فصل النائب آلان عون، ابن شقيقة الرئيس السابق ميشال عون، اليوم، بعد الكثير من التروي والحرص من خطوة قد تتفجر معها الكثير من الأزمات الداخلية.

بعد تقديم الرئيس عون رئاسة التيار لباسيل على طبق من فضة عبر إقصاء معارضيه، حان الوقت ليستفيد الأخير من رئاسة عون لمجلس الحكماء في التيار ليتخلص من معارضيه بالكامل، حتى بعد رحيل عون، فيطبق على مفاصل التيار ويصبح الآمر الناهي، دون تأثير يُذكر أو خيثيات شعبية لمن يبقى من باسيليين، روّضهم ودجنهم بنفسه قبل أن يأتي بهم إلى لعبة السلطة والوزارات وقيادة التيار. فيتعامل معهم كما يتعامل الأستاذ مع تلاميذه في الصف. ألم يسبق لباسيل أن أجبر وزراءه على توقيع استقالاتهم مسبقاً قبل توزيرهم؟

استقال اليوم النائب سيمون أبي رميا من التيار، معترضاً على الانحراف الذي أصاب التيار وتحوله إلى نظام رئاسي وجنوحه نحو الأحادية والتفرد. كما اعترف بانخفاض نسبة التأييد الشعبي للتيار في الانتخابات النيابية الأخيرة، متهماً قيادة التيار بالاستمرار بسياسة “دفن الرؤوس في الرمال” وعدم الاكتراث لمساءلات القاعدة، معتبراً أنها "محاولة لإقصاء رموز التيار وخلق حالة جديدة موالية للشخص وليس للقضية أو البرنامج".

وأضاف أن "ذلك تزامن مع تنفيذ أجندات شخصية ومصالح ضيقة على حساب المصلحة الوطنية الكبرى. واستكملت عملية "التطهير" التي بدأت منذ عدة سنوات، لتطال تباعاً الكوادر والناشطين المؤسسين، فضلاً عن الوزراء والنواب السابقين والحاليين".

وتابع: "تحوّل كل قيادي يستمدّ شرعيته من تاريخه وحاضره ومساهمته في التيار على مدى أربعة عقود إلى هدف للإقصاء لأنه لا يتوافق مع مشروع التوريث الذي يراد أن يقوم عليه “التيار الجديد". فإذ بنا نشهد تباعاً نسخة حزبية من مسلسل "عشرة عبيد صغار" الشهير بفصول وسيناريوهات مختلفة لكل واحد منهم".

وأشار إلى أن "قيادة التيار الحالية تركز على حصرية القيادة عبر الرئاسة الحالية للحزب". وأوضح أن "تخلف قيادة التيار عن الاستجابة لتطلعاتنا في إدارة شؤون التيار والبلاد، وحقنا في المشاركة في صياغة قرارات حزبية بشكل فعلي وليس فقط صوري، دفعني إلى إنهاء رحلتي كشاهد على تحلل مؤسسة شاركت في تأسيسها وساهمت في تطويرها".

انتفض أبي رميا في بيانه الختامي لمسيرته الحزبية ضد باسيل وقيادة التيار، واضعاً الإصبع على الجرح ومحتفظاً بكرامته دون أن يمر بتجربة الطرد التي مر بها نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب وآلان عون، منسحباً في "التوقيت المناسب" رغم أنها جاءت متأخرة، حيث دق ناقوس الخطر لمن بقي تحت رحمة باسيل من قياديين صوريّين ومحازبين، تقودهم قيادتهم نحو الهاوية والإفلاس السياسي.

تبقى هذه الاستقالة رهينة الترجمة الفعلية للمواقف التي أطلقها أبي رميا، بما سيتخذه من خطوات ومواقف مستقبلية في الاستحقاقات المفصلية. قد تكون هذه الاستقالة استكمالاً لاستقالات أخرى من التيار، علّها تصحّح جزءاً مما أفسده التيار وحلفاؤه في البلد، أو تكمل بسياسة تسليم البلد لمشروع خارجي يأخذ اللبنانيين إلى الخراب. عندها ستكون الاستقالة شكلية كغيرها من الاستقالات التي لا طعم ولا لون لها، كجزء من مسلسل لعبة الصراع على السلطة والمناصب التي بني عليها التيار وتتجذر في ممارساته السياسية اليومية عبر المتاجرة بمصالح المجتمع.

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )

 


المصدر : Transparency News