جوزف بو هيا


لقد أصبح لبنان بأسره رهينة لحزب الله، لكن أهل الجنوب يعيشون عزلة أشد، حيث يقبعون في "حبس انفرادي" بعيدًا عن بقية الوطن. هذه العزلة لم تكن خيارًا لأبناء الجنوب، بل فُرضت عليهم من قبل حزب الله الذي وضع مصيرهم على طاولة إيران لخدمة مصالحها وأهدافها الإقليمية. هذه المقامرة الخطيرة التي يخوضها الحزب لم تعرّض الجنوب وحده للخطر، بل جعلت لبنان كله رهينة لحسابات تتجاوز حدود العقل والمنطق.
اليوم، يقف حزب الله على حافة الهاوية، متجاوزًا كل الحدود في سعيه للبقاء على قيد الحياة السياسية والعسكرية في المنطقة. بينما يحاول الحزب إظهار نفسه كمدافع عن القضية الفلسطينية، مستغلًا مأساة غزة، إلا أن الحقيقة تكمن في سعيه للحفاظ على مكتسباته ووجوده في ظل واقع يبدو أنه لا مفر منه. تطبيق القرار الدولي 1701 بشكل جديّ هذه المرة بات أمرًا وشيكًا، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لنفوذ الحزب في لبنان.
هذه الأزمة التي يعيشها حزب الله بدأت تنعكس بوضوح على الداخل اللبناني، حيث تصاعدت حدة الخطاب الطائفي الذي يروج له الحزب عبر أدواته المحلية. يدرك الحزب تمامًا أن إشعال نار الفتنة الطائفية سيضعف جميع الأطراف الداخلية، مما يمكنه من البقاء مسيطرًا على المشهد السياسي والأمني في البلاد. هذه الاستراتيجية، التي يتبعها الحزب منذ سنوات، تهدف إلى إبقاء لبنان في حالة ضعف وانقسام دائمين.

ورغم كل محاولات إعلامه لإظهار قوته وقدرته على الردع، فإن الواقع على الأرض يثبت العكس تمامًا. صواريخ الحزب، التي يروج لها كوسيلة دفاع عن لبنان، لم تجلب سوى الدمار، وكشفت عن عمى استراتيجي وعدم فعالية في المواجهة. هذه الحقائق بدأت تنعكس على البيئة الحاضنة للحزب، حيث بدأ أنصاره يدركون التفاوت الكبير في القوة والفعالية بين حزب الله وإسرائيل.
أما أهل الجنوب، فقد وجدوا أنفسهم في وضع لا يُحسدون عليه، حيث تم عزلهم عن الواقع اللبناني الأكبر، ووُضعوا في مواجهة دائمة مع بقية اللبنانيين منذ أحداث 2008 وحتى اليوم. هذه المواجهة المستمرة أفقدتهم تعاطف الكثير من اللبنانيين، وجعلتهم يدفعون ثمنًا باهظًا نتيجة سياسات حزب الله. اليوم، يحصد أبناء الجنوب عداوة لا علاقة لهم بها، وهي عداوة زرعها الحزب من خلال سياساته الممنهجة والمتهورة.
من هنا، يجب أن ينبثق الوعي الوطني لدى اللبنانيين. يجب على الجميع أن يدرك أن الفتنة الداخلية التي يحاول حزب الله إشعالها لن تخدم سوى مصالحه الضيقة، وأن الحل يكمن في مد يد العون لأهل الجنوب بطريقة واعية ومنظمة. إنقاذ الجنوب من قبضة حزب الله لن يتحقق إلا بوعي وطني شامل يتجاوز كل الفروقات الطائفية والمذهبية، ويدرك أن لبنان بأسره مهدد إذا استمر حزب الله في جر البلاد إلى الهاوية.
مَدّ يد العون لأهل الجنوب بشكل منظم وواعٍ يمثل الحصن المنيع في مواجهة كل محاولات الفتنة. كما أن استقبال النازحين بطريقة مدروسة ومنظمة يضمن عدم امتداد الخراب الذي جلبه حزب الله على الجنوب إلى باقي الأراضي اللبنانية. فالجنوب هو جزء لا يتجزأ من لبنان، وأهل الجنوب هم إخوة لكل لبناني، ويجب ألا يُتركوا وحدهم في مواجهة مصير صنعه لهم حزب الله، بل يجب أن يتم احتضانهم بحكمة ووعي لإنقاذ لبنان من المخاطر المحدقة به.
وفي الختام، يتضح أن حزب الله ليس إلا أداة في يد المشروع الإيراني، يستخدمها لخدمة أهداف طهران الإقليمية على حساب سيادة لبنان واستقراره. ألاعيب الحزب التي تهدف إلى إبقاء لبنان في حالة توتر دائم وجرّه إلى صراعات لا نهاية لها، ليست إلا محاولة مكشوفة لترسيخ النفوذ الإيراني في المنطقة. حزب الله يشكل حاجزًا أمام بناء دولة قوية ومستقلة، ويجب أن يدرك الجميع أن الخيار الوحيد لضمان مستقبل لبنان هو استعادة القرار السيادي، ووضع حد لتدخلات الحزب ومغامراته التي لم تجلب للبنان سوى الخراب والدمار. استمرار وجود الحزب بشكله الحالي يعني زوال لبنان.

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News