استمرت مقابلة بهاء الحريري عبر قناة المشهد حوالي أربعين دقيقة. يمكن اختصار هذه المقابلة ببعض الكلمات التي حرص الحريري على تكرارها من القلب: شراكة، رسالة، لبنان التعدد، لبنان للمسلمين والمسيحيين، محاربة التحالفات الفئوية.


كرر الحريري إسمين بإصرار: نصرالله صفير ورفيق الحريري، لما يرمزان إليه من معانٍ ترتبط بصورة البلد الذي أُغرق بالعنف والتطرف والانقسام. كان هذان الاسمان في مقدمة الذين حاولوا إنقاذ لبنان من براثن الوصاية. كانت اليد باليد، وتلك معادلة يطمح بهاء الحريري لتجديدها كمعبر إجباري للإنقاذ.

يبدو أن بهاء الحريري يطل على اللبنانيين بصورة المبشر بقيمة هذا النموذج، ويقول لهم: لا تستهينوا بوطنكم. هذا نموذج من العيش المشترك في الحكم والشراكة، فريد من نوعه وربما الوحيد في هذا العالم، حيث تتشارك هويات ومجموعات متنوعة في إدارته. هذه فرادة استثنائية.

في مقابل هذا المشهد الذي ظهر فيه الحريري عبر قناة المشهد، اصطاد النفاق عبارة قالها الحريري بصدق وبعفوية، تناول فيها والده الشهيد، واصفاً إياه بأنه استمرار لنهج الاعتدال الذي يحارب التطرف منذ 1400 عام. رغم اختيار الكلمات غير المثالية للتعبير عنها، فإن هذه العبارة تكرس بهاء الحريري بحارًا يعاكس اتجاه التيار، وتحجز له مكاناً متقدماً في رحلة استعادة لبنان، وطن العيش المشترك والتفاعل الصادق بين مجموعات شعبه، التي يمكنها أن تصنع المعجزات إذا اتحدت، وقد تدمر نفسها ووطنها إذا استمعت لماكينات النفاق وسوء النية، التي تناولت المقابلة من زاوية تحريف ما قصده الحريري وتشويهه وتركيب المؤامرات الوهمية.

يُؤخذ على بهاء الحريري صراحته المبالغ فيها، ويُؤخذ عليه قوله ما لا يُقال، لكن يُحسب له أنه يخاطب اللبنانيين بصدق، من دون مساحيق. يخاطبهم في عمق ما يعانونه من مشاكل، ويطرح حلولاً سياسية واقتصادية، لا تُنتجها مطابخ السياسة اللبنانية التي تُعلك الأزمات في الغرف المظلمة.

يُؤخذ على بهاء الحريري قراره بعدم تمنين أي كان بما يقدمه من مساعدات اجتماعية وإنسانية، سواء للأقربين أو للأبعدين، لكن ذلك لا يحجب حقيقة أن الحريري يعرف كيف يدير تقديم المساعدات، فتذهب إلى من يحتاجها مباشرة، لا إلى من يتسلمها ليبتلع معظمها قبل أن تصل إلى المحتاج.

يُؤخذ على بهاء الحريري رفضه الانخراط في السياسة التقليدية التي فرضها على اللبنانيين رهط من السماسرة، أو فرضوها على أنفسهم بسبب عجزهم عن التغيير، لكن هذا الرفض يمثل قيمة مضافة في عالم حديث سيلفظ بنسخته اللبنانية كل أشكال التخلف التي سجنت لبنان في السجن الكبير.

تُؤخذ على بهاء الحريري جملة من التلفيقات والافتراءات، لكن لغة الوجه والجسد قادرة على التغلب على مصانع الإشاعات والنفاق المحترف. يكفي أن يقول: "هذه خطتي الجدية للإنقاذ الاقتصادي"، كي يهزم من ينتظره على الكوع.

يكفي أن يقول: "هذه قناعتي: لبنان رسالة كونية"، كي يؤكد انتماءه إلى النموذج الذي آمن به رفيق الحريري واستشهد من أجله.

يكفي أن يمتلك القدرة على الإدارة السليمة والشفافة، وهو يمتلكها، ليعطي نموذجاً عن القدرة على لعب الدور المطلوب منه في مرحلة انتقالية بالغة الدقة.

تلك رحلة لن تكون سهلة أو قصيرة، لكنها بدأت ولن تتوقف.


المصدر : Transparency News