جوزف بو هيا


تلعب إسرائيل وإيران دورًا معقدًا ومزدوجًا في منطقة الشرق الأوسط. تسعى إيران لتحقيق هيمنة إقليمية على الدول العربية، خاصة من خلال تعزيز وجودها في سوريا. تستفيد طهران من هذا التواجد لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، وكذلك لترسيخ دورها كشرطي للمنطقة، وتأسيس شبكة لوجستية قوية بين ميليشياتها المختلفة. تُعد سوريا قاعدة متقدمة لهذا الوجود العسكري، حيث يتمركز الحرس الثوري الإيراني وجماعات شيعية جاهزة لدعم الجبهات المختلفة، مما أتاح لطهران مواصلة لعب دورها الإقليمي لسنوات بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا التواجد ذو أهمية خاصة وساهم في تعاظم قوة المحور لأنه يقع بعيدًا نسبيًا عن أنظار الغرب، بفضل العداء المستمر لنظام بشار الأسد تجاه الدول الغربية. بالنسبة لأولئك الذين يتساءلون عن أهمية هذا الوجود، بالرغم من عدم وجود جبهات مفتوحة، فإنه يمثل ركيزة أساسية في تعزيز موقف إيران التفاوضي في أي محادثات تهدف إلى إعادة تشكيل الأدوار في المنطقة.

اعتمدت طهران على شبكة من الأذرع المسلحة التي تغاضت عنها إسرائيل وأمريكا وأوروبا لعقود، خاصةً بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق. كانت هذه الدول تنظر إلى إيران كشرطي أمني في المنطقة، وقوة مواجهة للسنة، وأداة ضغط على الدول العربية لإبقاء علاقاتها مع الغرب قوية. نتيجة لذلك، حققت الدول الغربية مكاسب اقتصادية كبيرة من بيع الأسلحة وتقديم الحماية ضد التهديد الإيراني المقصود. في المقابل، استفادت إيران من توسعها العسكري والديني والثقافي، مستغلةً ثروات المنطقة للالتفاف على العقوبات الدولية. دعمت طهران ميليشياتها في محاربة القوى السنية ودمّرت أنظمة الحكم بقوة السلاح غير الشرعي، مستخدمةً تمويلات غير مشروعة من تجارة المخدرات وتهريب البشر والسلاح. هذا النهج حوّل الدول التي تسيطر عليها إيران إلى ملاذ للخارجين عن القانون، مما أضر بسمعة هذه الدول.

كل ذلك أدى إلى إضعاف الدول العربية وإنهاكها بعقوبات تحت ذريعة محاربة الأنشطة الإيرانية. هذا الضعف السنيّ وتوسع النفوذ الشيعي ضَمِنا لإسرائيل وجودًا آمِنًا، وساهما في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية نحو إقامة إمبراطورية موسعة. كان السنة من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن هم وقود هذا التوسع. كما خدم الغرب مصالح إيران في تعزيز ما يُعرف بمحور المقاومة، الذي ثبّت سيطرة حزب الله في لبنان، والفصائل الشيعية في العراق وسوريا، ودعم الحوثيين في اليمن خلال "عاصفة الحزم" فارضًا عقوبات وقيودًا على السعودية لإيقاف العملية.

جاء ما سُمّي بـ "طوفان الأقصى" في توقيت حساس، حيث تلاقت فيه مصالح ثلاث جهات:

1- نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف: كانوا في وضع حرج داخليًا، حيث كان نتنياهو على حافة خسارة السلطة وربما دخوله السجن بسبب تهم الفساد، مما كان سيعني نهاية حياته السياسية.

2- إيران: سعت إلى منع اتفاقية بين إسرائيل والسعودية، حيث إن مثل هذا الاتفاق، بعد اتفاقيات أبراهام مع دول عربية سنية أخرى، كان سيضعف دور إيران كقوة في مواجهة السنة المعادين تاريخيًا لإسرائيل، ويقوّض حجتها في وجود أذرعها في المنطقة.

3- حماس: كانت بحاجة إلى تحقيق إنجاز يعزز مكانتها لتتسلم زمام القضية الفلسطينية بدلًا من السلطة الفلسطينية في رام الله. وظهرت معالم هذه المحاولات للسيطرة في أحداث مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، حيث اندلعت اشتباكات لفرض سيطرة حماس على المخيم بدعم من حزب الله.

منذ 7 أكتوبر، كل ما يحدث يمكن اعتباره جريمة بحق المدنيين، وهو جزء من مخطط مُتفق عليه لإعادة الأمور إلى نصابها وتثبيت مواقع الأطراف في المنطقة. كلما تصاعدت وحشية نتنياهو واليمين الإسرائيلي، وزاد تخاذل إيران التي صورت نفسها كمحرر لفلسطين، زاد غضب الشعوب العربية واشتدت التوترات بين الشعوب والأنظمة المُدركة للعبة الإيرانية. الحسابات الإيرانية كانت تهدف إلى تفكيك بعض الأنظمة العربية، ومع ذلك، لم يتغلغل الفكر الإيراني بما يكفي بسبب وعي الشعوب العربية للفجور الإيراني-الصهيوني الواضح. لنعد إلى خطابات أبو عبيدة التي تنتقد تخاذل الدول العربية وتدعو الشعوب للثورة على أنظمتها، وهجوم حسن نصر الله الأخير على الدول العربية والسلطة الفلسطينية، كل ذلك يهدف إلى زعزعة استقرار هذه الدول.

على الصعيد الداخلي، تعاني إيران من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة تجعلها تسعى للحفاظ على استقرار النظام بإبقاء الشعب بعيدًا عن الأحداث الإقليمية. يستخدم النظام الإعلام والدعاية لنشر فكرة "المعركة الكبرى" المرتقبة، محاولًا استغلال الأساطير الدينية والطائفية للحفاظ على تماسك أنصاره. اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران اعتُبر انقلابًا إسرائيليًا على الاتفاقيات غير المُعلنة، مما يفسر الصدمة الإيرانية والتخبّط في كيفية الرد. السبب وراء هذا الانقلاب هو صعود شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي، مما منحه القدرة على التحرر من أي تفاهمات مع إيران. اغتياله لقيادات حماس وتصفية إسماعيل هنية في طهران وقائد حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت أظهر ضعف إيران ومحورها وترجم الانقلاب على التفاهمات التي كانت قائمة منذ أحداث "طوفان الأقصى".

تتجلى معالم هذا التغيير في الغطاء الأمريكي للعمليات الإسرائيلية من خلال محاصرة إيران عسكريًا، وإعادة تفعيل اتفاقية تصدير الأسلحة الهجومية إلى السعودية، بالإضافة إلى الحديث المتزايد عن قرب توقيع اتفاق دفاعي مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية. نجح نتنياهو في إنقاذ حياته السياسية وبدأ الحديث عن معاهدة سلام مع السعودية، مما يمهّد لبدء مرحلة حل الدولتين كما يطالب العرب والمجتمع الدولي، مما سيؤدي إلى تراجع الدور الإيراني في المنطقة. في الوقت نفسه، الاستعدادات العسكرية الأمريكية غير المسبوقة في المنطقة تحضيرًا للتدخل في تصعيد متوقع، تحت ذريعة عملية مشابهة لما حدث في مجدل شمس، سواء في العراق أو من إيران مباشرة ضد إسرائيل، مما يؤدي إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني.

من هذا المنطلق، تُظهر الحكومة الإيرانية تردّدًا في الرد المباشر على الاستفزازات الإسرائيلية، كما حدث بعد اغتيال إسماعيل هنية داخل مجمع تابع للحرس الثوري في طهران، رغم الحرج والإهانة. يعود هذا التردد إلى المخاوف من رد إسرائيلي-أمريكي قد يكون مُدمّرًا للداخل الإيراني. إيران تواجه معضلة حقيقية؛ فمن جهة، ترغب في الرد لحفظ كرامتها أمام أذرعها وجمهورها الداخلي، ومن جهة أخرى تدرك أن أي رد قد يستغله الأمريكيون والإسرائيليون لتبرير تصعيد أكبر، مما قد يتجاوز قدرتها على التحمّل. التصريحات المُتكررة من المسؤولين الإيرانيين تعكس محاولات لتهدئة الوضع عبر التنصل من الرد المباشر أو اللجوء إلى رد محدود لا يؤدي إلى تصعيد شامل، سعيًا للحفاظ على ما أمكن من دورها الإقليمي دون الانزلاق في مواجهة عسكرية واسعة قد تُضعفها داخليًا وخارجيًا.

(هذه  الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News