حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي


لا شك أن نشر الفيديو القصير الذي لا تتجاوز مدته الدقيقتين عن نفق حزب الله، المعروف باسم "عماد 4"، جاء في توقيت مدروس من قبل حزب الله. الهدف من وراء هذا الفيديو هو إرسال مجموعة من الرسائل باتجاهات مختلفة، لعله يحقق بعض الأهداف التي يسعى إليها الحزب، والتي قد تؤدي إلى حل دبلوماسي "مرسوم بالحديد والنار"، في ظل زحمة الموفدين والرسل الذين يحجون إلى لبنان في الأيام القليلة الماضية وفي المستقبل القريب.

في اليومين الماضيين، أعلنت القوات الجوية الإسرائيلية أنها استعملت قنابل AK 84 التي تهدف إلى تدمير التحصينات والأنفاق في منطقة كفركلا، حيث ألقت عددًا من هذه القنابل على منطقة تعتقد أنها تحتوي على أنفاق قتالية لحزب الله ومخازن أسلحة. فجاء الفيديو ردًا على هذا الادعاء الإسرائيلي، قاصدًا إيصال رسالة مفادها أن قنابلكم، وكل ما توصلتم إليه مع شركائكم من قنابل ثقيلة، لا يؤثر على أنفاقنا وتحصيناتنا، نظرًا لطبيعة جبال لبنان الصخرية. هذه الأنفاق، التي تختلف عن أنفاق غزة المحفورة في تربة رخوة والمدعمة بالباطون المسلح، محفورة بالصخر وفقًا لطبيعة لبنان وجباله، مما يجعلها عصية على التدمير والتخريب. وبالتالي، فإن مخازن الأسلحة، لا سيما الصواريخ منها، محفوظة بأمان وبعيدة عن متناول أيديكم. هذا هو المقصود الأول من الفيديو الذي بثه الإعلام الحربي التابع لحزب الله.

في الوقت الذي تشهد فيه الساحة اللبنانية زيارات لموفدين ودبلوماسيين، أراد حزب الله أن يرد بأنه يمتلك من القوة ما يجعله قادرًا على الصمود والمناورة، وأن سلاحه محمي وبعيد عن متناول أيدي العدو وأسلحته المختلفة.

أما من جهة العدو الإسرائيلي ومن يقف خلفه من دول داعمة، فإنهم لا يعيرون ذلك الكثير من الاهتمام. ففي حال تطورت الأحداث وتدحرجت إلى حرب مفتوحة وشاملة، قد تتطور إلى حرب إقليمية، لن تنفع تلك الصواريخ وبقية المعدات العسكرية التي يمتلكها حزب الله وعديده. ففي هذه الحالة، قد يتم تدمير لبنان على غرار ما حدث في غزة، وعندها ستبقى هذه الصواريخ وكل العتاد العسكري محفوظة في الأنفاق والمستودعات دون أي نفع منها. بل ستكون مادة دسمة للبنانيين لتركيب الروايات والقصص حولها، خصوصًا مع تصاعد التململ داخل بيئة حزب الله. فقد بدأت الأصوات تتعالى، لا سيما بعد أن بدأت تصل الصور الحقيقية من قرى وبلدات ومدن الجنوب التي تعمد إسرائيل على تسويتها بالأرض وفقًا لنموذج غزة وما حدث هناك.

كل هذه الأمور تشير إلى أن حزب الله بدأ يواجه أزمة حقيقية في بيئته، ولم تعد المسكنات، التي يقدمها من خلال بعض الدولارات التي يدفعها للنازحين وبعض المساعدات، تعطي النتائج المطلوبة. لا سيما بعد المشاكل التي تحدث مع النازحين، والتي لم يكن آخرها الإشكال الذي حصل في بلدة طورا مع عائلة نازحة من بلدة عيتا الشعب، والتصرف الغبي والمتعالي من مسؤول حزب الله في البلدة الذي ساهم في تأجيج الخلاف وتصاعد الإشكالات وخروجها إلى العلن. لا سيما مع البيان الذي أصدره رئيس بلدية عيثا الشعب والذي تمنى عليه حزب الله عدم تعميمه، إلا أن الأخير عممه دون الأخذ بعين الاعتبار تمنيات حزب الله. هذا عدا عن الكثير من الإشكاليات التي تحدث مع أهالي الشهداء، لا سيما من هم دون السن القانونية الذين يسقطون في المعارك.

كل هذه الأمور تجعل من حزب الله يعاني مع بيئته، التي كانت حتى الأمس القريب عصية على التفكك أو النزاعات فيما بينها. لكن إطالة أمد الحرب ستخلق الكثير من الإشكاليات، كلما طال أمد الحرب وتصاعدت حدة الخسائر في الممتلكات والأرواح.

هذا الأمر فرض على حزب الله استخدام ورقة الأنفاق والصواريخ وإبراز ترسانته التسليحية لعلها تشكل رادعًا للعدو الإسرائيلي في إقدامه على توسيع ساحات المعركة، لتجنب تجرع السم في حرب شاملة وموسعة تساهم في تدمير لبنان وتأليب الرأي العام اللبناني، والشيعي على وجه الخصوص. هذا هو الملاذ الوحيد المتبقي لحزب الله بعد تصاعد نسبة التململ، بل اللهجة العدائية لسياسة الحزب في المجتمع اللبناني التعددي. ويأتي الفيديو الذي تم الإفراج عنه عن منشأة "عماد 4" وإظهار ما فيها من معدات عسكرية وصواريخ في هذا الصدد، لعله يعطي الحزب بعض مصادر القوة في المعارك الدائرة على جانبي الحدود اللبنانية والفلسطينية المحتلة.

 

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")