إبراهيم الصقر، صاحب التجربة الفريدة والجديدة في الحياة السياسية اللبنانية، التي لا تشبه أحداً ولا يجرؤ أحد على التشبه بها، يستمر في كسر القواعد المعترف بها، وخلق معادلة جديدة أساسها عدم الاعتراف بالخطوط الحمر.  


من قلب قلعة يخشى أن تحاصر باللاجئين، وبمن يشترون الأراضي في زحلة، أي قلعة منزله التي بناها وسط مساحة شاسعة من الأرض التي استصلحها، وأقام فيها بيتاً وكنيسة، يطلق الصقر خطاباً هو أقرب إلى خطاب النفير المسيحي العام.  

تتلقى بعض فئات اللبنانيين هذا الخطاب بقلق، لكنه ينزل على رؤوس المسيحيين كبلسم. والسبب: لا أحد غيره امتلك الصراحة والشجاعة لوصف الألم، ولا أحد غيره امتلك القدرة على إعطاء المرض اسمه الحقيقي: داء قد يتحول إلى عضال، وليس مجرد نزلة برد شتوية. ربما لا أحد اتخذ القرار بخوض غمار الشأن العام انطلاقاً من هذه الزاوية.  

يضع الصقر إصبعه على هاجس مسيحي وجودي. بيع الأراضي، الهجرة، والتناقص الديموغرافي، أعراض خطيرة قد تؤدي إلى الزوال، ولا يمكن مواجهتها بدفن الرأس في الرمال.  

يستلهم من بشير الجميل قولاً مأثوراً: "قولوا الحقيقة مهما كانت صعبة". يقولها وهو يعلم أنها قد تسقط ضحايا، وتسبب أضراراً يصعب إصلاحها.  

يقولها رغم أن ذلك كلّفه في الماضي، وقد يكلفه في الحاضر والمستقبل أثماناً تتعدى الأضرار السياسية.
 
من يشاهد الشمس وهي تشرق على قرميد بيوت زحلة القديمة، يدرك أن الصقر يتحدث بدافع الوجع، لا التعصب ولا رفض الآخر. فقد مرت المدينة في القرن التاسع عشر بأزمة وجودية، وخاضت في العام 1981 حرباً شرسة في مواجهة جيش الأسد، وها هي اليوم تطلق بلسان الصقر، وبدعاء من يتقنون فن الصمت خشية الكلام، صرخة عالية: "أوقفوا بيع الأرض، لأن الأرض هي الهوية".  
إبراهيم الصقر مسكون بمارونيته ومسيحيته، والأغرب أن تركيبته الشخصية لا تعرف التعصب، بشهادة الكثير من أبناء الطوائف المختلفة الذين يعملون في مؤسساته. هويته فريدة وغريبة، فهو يحتضن الجميع، ما دامت هويته غير مهددة.  

لكن عندما يتم تهديد الهوية والوجود، يطلق حملة دفاعية تفشل دائماً في أن تكتفي بطابع الدفاع، بل تتعدى ذلك إلى إيحاء بأنه "المتعصب المتطرف"، في حين أنه بطبيعته السهلية البقاعية الأبعد عن العزلة والتقوقع.  

يستعد الفلاح المتمثل بطانيوس شاهين لخوض الانتخابات النيابية بلائحة مستقلة في الانتخابات المقبلة. لن يكون المقعد الماروني المستضعف أساسها، بل كل المقاعد. لائحة عاصمتها زحلة بتنوعها وهويتها ورمزها نهر البردوني.  

يردد دون كلل في مقابلته الأخيرة عبر "سبوت شوت": "سلاحنا الصمود والإيمان". قد تصلح هذه العبارة الموحية كعنوان للائحة، وتعبير عن أنها ستكون لائحة التمرد على كل الخطوط الحمر في مواجهة التقليد السياسي.  

هذه اللائحة لن تكون جزءاً من التحالف مع القوات اللبنانية كما يقول الصقر، لكنه يضيف، وهذا هو الأهم: "سأجلس إن فزت إلى جانب سمير جعجع وسأبقى معه". إشارة واضحة من الصقر إلى ارتباطه الأبدي بعائلة القوات اللبنانية، وبرمز يردد اسمه بفخر، سمير جعجع.


المصدر : Transparency News