حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي .


يعيش لبنان معضلات كبيرة ومتعددة، أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للبنانيين. وأبرز هذه المعضلات، وأكثرها وقاحة، هي أزمة الكهرباء التي تم إنفاق نحو خمسة وأربعين مليار دولار عليها ولا تزال حتى اليوم مستفحلة. لا بل أصبحت معضلة غير قابلة للحل مع هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة في لبنان، والتي اشتهرت بفنون النهب والفساد الذي استشرى في كل مفاصل الإدارة اللبنانية. حتى أصبحنا إذا وجدنا بعض الموظفين الصالحين نعتبر ذلك أمرًا مستهجنًا، بل غريبًا عما تختزنه الإدارة العامة اللبنانية بفروعها كافة.

 

مؤسسة كهرباء لبنان ومن خلفها وزارة الطاقة أصبحت تستحق أكبر وأعرق جائزة في نهب المال العام دون تحقيق أي نتيجة. فقد وعدت غالبية الوزراء بالكهرباء المستدامة على مدار الساعة وحددت مواعيد لتحقيق هذا الهدف، لكن دون جدوى. الغريب أن وزراء الطاقة، منذ ما بعد الطائف، كانوا من محور واحد، لم يشاركهم أحد في إدارتها. هم تابعون لمحور الممانعة والمقاومة بكافة فروعه وأحزابه، حتى استقر الأمر منذ عام 2010 بيد التيار العوني، حيث بدأ مع رئيس التيار جبران باسيل ولم ينتهِ مع الوزير الحالي فياض. وكأن وزارة الطاقة وكل الطاقات أصبحت حكرًا، بل ملكًا متوارثًا للتيار لا يمكن التنازل عنه مطلقًا. في كل الحكومات التي تشكلت منذ عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الباريسي وحتى آخر حكومة، كانت المعارك تندلع وتأخرت الحكومات في التشكيل بسبب إصرار التيار على وزارة الطاقة.

 

تم وضع خطط مستفيضة من قِبَل غالبية الوزراء لتأمين الكهرباء على مدار الساعة، ومن ثم بدأت الخطط لزيادة مدة ساعات التيار الكهربائي. وفي كل مرة تصطدم خططهم بعدم التنفيذ وتذهب الكهرباء أدراج الرياح، وتعم العتمة لبنان بكافة مناطقه، حتى انقطاع التيار الكهربائي عن المؤسسات الحيوية مثل المرفأ والمطار وسجن رومية.

 

وفي كل مرة، يكون التبرير العوني هو جملته المشهورة: "ما خلونا". ففي عهد ميشال عون الرئاسي، كان للتيار العوني أكبر كتلة نيابية وأكبر مجموعة وزارية، وزد عليها حلفاء التيار والحاكم الفعلي للبلاد "حزب الله"، لكنهم لم يفوا بوعودهم والتزاماتهم على الإطلاق، وفي النهاية يكون العذر: "ما خلونا".

 

هذه هي معضلة الممانعة وحلفها المقدس في حكم لبنان، ولكن دون تحمل المسؤولية في الفشل الذريع الذي يصلون إليه في كل مرة. فقد أدخلوا البلاد في أزمات ليست مجرد معضلة، بل مستحيلة الإصلاح في ظل وجودهم في الحكم، لأن سياساتهم العقيمة التي يحكمون بها لا يمكن أن تحل أي أزمة يواجهونها، بل تزيدها تعقيدًا أكثر فأكثر.

 

عدا عن فشلهم الذريع في قيادة البلاد، يأخذون لبنان إلى مغامرات وحروب قاتلة تدمر البلاد وتقتل شبابها، وفي النهاية يُعلنون نصرهم الإلهي بينما الهزيمة تكلل جبينهم المعفّر بتراب الذل والتبعية والعمالة للخارج.

 

فيما يتعلق بالكهرباء، قاموا بزيادة التعرفة وسُمح لمؤسسة كهرباء لبنان بجباية فواتيرها بالدولار الأمريكي. ووفقًا لبيانات المؤسسة، تصل الجباية إلى نسب عالية جدًا، بينما يستوردون الفيول أويل لمعامل الكهرباء من العراق دون أن يدفعوا ثمنه حتى الآن، وقد زادت تكلفته عن ستمائة مليون دولار. وقبلها من الجزائر، وقد انتهت بدعاوى قضائية رفعتها مؤسسة كهرباء لبنان ضد الشركة الجزائرية المصدرة.

 

السؤال اليوم: طالما أنكم تجبون فواتيركم بأغلبها بالدولار وتستوردون الفيول أويل، لماذا لا تدفعون أثمانه؟

 

والسؤال الأهم: أين تذهب أموال الجباية؟

 

وهنا يبرز سؤال آخر: هل بأموال الجباية يقوم حزب الله بحفر الأنفاق لتخزين سلاحه التي ظهرت في فيديو "عماد ٤"؟ أم أين تذهب أموال الجباية وكيف تُصرف ومن يقوم بصرفها؟ أم أنكم تعودتم على الشحادة، ولم يستحِ وزير الطاقة الحالي بالأمس عندما سألته إحدى الصحافيات فأجابها: "نحن لا نشحذ، بل نوزع كرامة على الجميع".

 

فعلاً، من استحوا ماتوا.

 

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News