يوسف مرتضى- كاتب سياسي


ليس خافياً على أحد، أن المشهد الانحداري الذي بلغته معظم الأقطار والكيانات العربية في تكوينها السياسي والاقتصادي - الاجتماعي، الذي بلغ ذروته بعد انتصار الثورة الإسلامية الخمينية في إيران عام ١٩٧٩ وتداعياتها على العديد من البلدان العربية، وخروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بعد اتفاقيات كامب ديفيد  في العام ١٩٧٨، والاحتلال الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣ بتسهيل ودعم إيرانيين. هذا المشهد الذي أصبح أكثر مأساوية مع بروز التيارات الدينية  الأصولية بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية خاصة في أقطار بلاد الشام في أعقاب ثورات الخبز والكرامة فيما سمي بالربيع العربي . تلك الثورات التي خطفتها التيارات الدينية الأصولية  المتطرفة ،"المشغّلة من أفرقاء التمدد الثلاثة أنفة الذكر"،بسبب غياب الأحزاب والتيارات الديمقراطية نتيجة قمع الأنظمة الاستبدادية المتمادي للحريات لعقود من الزمن، وحلول الوراثة السياسية في الحكم بديلاً للانتخابات الديمقراطية ، وتحكّم أقليات طائفية بمفاصل الدولة تحت شعارات علمانية مضللة.

 وبنتيجة ذلك بتنا أمام واقع من التفكك المريب للعديد من الأقطار العربية على أساس ديني وإثني وطائفي ومذهبي،  تتناحر فيما بينها في داخل كل قطر بما في ذلك الشعب الفلسطيني، صاحب القضية العربية المركزية الأصلي.

هذا الواقع المرير الذي قوى من عضد دولة إسرائيل الدينية الصهيونية وهي الأقوى اقتصادياً وعسكرياً، ما يجعلها ملاذاً لهذا الفريق أو ذاك من مكونات الأقطار العربية الممزقة . وأوجد الأرضية المناسبة لتقاطع مصلحة دولة إيران الإسلامية مع مصلحة إسرائيل الدولة اليهودية، وفتح شهية أردوغان على إحياء السلطنة العثمانية.

هذا الواقع العربي المريض مكن إيران وتركيا الأردوغانية الإخوانية من اختراق بنية المكونات الاجتماعية في أكثر من قطر عربي، عبر أيديولوجيتهما الشيعية أو السنية، إلى العراق ولبنان واليمن وسوريا والسعودية والبحرين .وراحت إيران  على وجه الخصوص تنشئ خلايا للتشّيع في المغرب ومصر، وتركيا تدفع بتمدد الإخوان المسلمين من فلسطين إلى العديد من الأقطار العربية. وتقدمت إيران  ونافستها تركيا الأردوغانية بغياب أي مشروع عربي إلى اصطياد مشاعر الشارع العربي  والفلسطيني تحديداً، وجعل قضية تحرير فلسطين"شمّاعة"  وكأنه من أولى أولوياتهما، ما أعطى لتمدد أذرعهما في الجسم العربي الذريعة والمصداقية ، الأمر الذي أوقع العرب في الفخ، فانقسموا إلى سنة وشيعة ، وهذا ما يتطابق بالكامل مع أهداف إسرائيل في تفكيك البلدان العربية إلى دويلات طائفية - مذهبية متناحرة.

وهكدا تحوّل العالم العربي إلى ميدان للصراع والتنافس لإحكام القبضة عليه بين إسرائيل وإيران وتركيا.

نفضت إيران يدها من طوفان الأقصى ، وتحوّلت مع أذرعها إلى قوة إسناد وليست قوة تحرير، ما يؤكد أن تحرير فلسطين لم يكن يوماً في صلب استراتيجية لا إيران وأذرعها ولا تركيا ومتفرعاتها الإخوانية، إنما استخدمت هذه القضية كذريعة لتحسين شروطهما مع القوة الدولية الأقوى، الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على الأقطار العربية. وهذا ما عبّر عنه بوضوح القائم بأعمال الخارجية الإيرانية عندما قال مؤخراً : خلافنا مع أميركا هو على حصتنا في المنطقة.

وبغض النظر عن الهوية الأيديولوجية للفريق الأساسي في عملية ٧ أوكتوبر ٢٠٢٣"حماس"، إلا أن هذه العملية كانت فلسطينية خالصة  وأعادت طرح القضية الفلسطينية بقوة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي.

ومع دخول المواجهة في غزة والضفة الغربية مع العدو الصهيوني شهرها الحادي عشر ، ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها في إلغاء الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين، بات يتوقف توظيف واستثمار هذا الصمود البطولي للمقاومة الفلسطينية والتضحيات الجسام للشعب العربي الفلسطيني، على مدى إدراك الإفرقاء الفلسطينيين أهمية وحدة الموقف الفلسطيني تحديداً بين فتح وحماس، ما يبعد اصطياد الطامعين بالاستثمار في القضية الفلسطينية لمآرب خاصة، ويوظف كل الدعم والتعاطف والإسناد الرسمي والشعبي الإقليمي والدولي الذي برز خلال الأشر الماضية مع القضية الفلسطينية من أجل فرض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين. وهنا تأتي مبادرة أبو مازن في الذهاب إلى غزة  خطوة مهمة على هذه الطريق إن جرى الإلتزام الفعلي بها . وباستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، بحل الدولتين أو بالدولة الديمقراطية على كامل خريطة فلسطين، تنتهي كل المشاريع الإقليمية التي بنيت على مبدأ الإستثمار في هذه القضية العادلة.

هل هذه الرؤية تلامس بعض الواقعية؟

دوعونا نحلم ونأمل

 

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )