حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي


هناك محاولة تسعى إلى تحريك ملف الفراغ الرئاسي اللبناني في ظل أجواء الحرب وقرقعة السلاح على الجبهات. ليس لأن الوقت قد حان، بل لمجرد الحفاظ على هذا الملف حيًا حتى لا يُنسى أو يموت.
فاليوم الخميس من المفترض أن يلتقي المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لو دريان، في الرياض، المستشار نزار العلولا، المكلف بالملف الرئاسي في الديوان الملكي السعودي، لبحث تفرعات الملف الرئاسي اللبناني وماهية الحراك الضروري الذي قد يُبقيه في "غرفة الإنعاش" على أمل أن تقترب ساعة الحلول لإيجاد مخرج له بعد الحرب الدائرة على الساحة الفلسطينية وربطها بالساحة اللبنانية من قِبَل الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في إطار حرب غزة.
يندرج هذا اللقاء ضمن الحراك الذي يقوم به بعض سفراء الدول الخمس الكبرى بشكل فردي ومنفصل. وقد شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطات متعددة، أبرزها حراك السفير المصري في لبنان، علاء موسى، وتصريحاته حول أهمية لقاء لو دريان مع العلولا. كذلك، شهدت البلاد زيارة السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، لرئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث أطلعه على تفاصيل اللقاء المرتقب في الرياض. كما أبلغ بري بخبر مغادرته لبنان إلى السعودية للمشاركة في هذا اللقاء.

مع ذلك، لا يُتوقع أن تُثمر هذه اللقاءات نتائج سريعة أو فورية، بل يجري العمل على إبقاء الملف جاهزًا تحضيرًا للحظة قد تقترب أو تبتعد، وذلك بحسب رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقبوله بصفقة وقف حرب غزة والتبادل، مما قد ينعكس على جبهة جنوب لبنان ويعيد إليها الهدوء. هذا الهدوء قد يفتح الباب أمام المبادرات التي تعيد السلام إلى جانبي الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبالتالي قد تكون فرصة لتحريك ملف الفراغ الرئاسي قبل الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر.
في الأذهان أيضًا ما حدث سابقًا خلال انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2016، عندما تم انتخاب ميشال عون رئيسًا للبنان قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وقد يترتب على لبنان الانتظار حتى ما بعد الانتخابات الأمريكية وتسلم الإدارة الجديدة في يناير المقبل.
إذا، هذا الحراك الدولي يدور في سباق مع الزمن، بينما تتلهى الزعامات والأحزاب اللبنانية بالمناكفات السياسية، وتزداد أوضاع البلاد تدهورًا على كافة المستويات. وما زاد الطين بلة هو التصعيد الأخير في السجالات، حيث شهد الأسبوع الماضي كلمة نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام الصدر ودعوته إلى الحوار بلغة متجددة، تلاها رد من رئيس حزب القوات اللبنانية، د. سمير جعجع. أثارت هذه السجالات ردود فعل، أبرزها رد المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، الذي يبدو أنه أصبح الناطق باسم الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بدلاً من دوره الديني، مما زاد من تعقيد المشهد.

على الرغم من أن تعيين المفتي قبلان من قِبَل والده الراحل عبد الأمير قبلان كان محل جدل، فإنه حتى اليوم لم يُنشر قرار تعيينه في الجريدة الرسمية.
وفي النهاية، يسعى الخارج إلى تحريك ملف الفراغ الرئاسي، بينما يتلهى الداخل بالقشور السياسية. والبلاد تزداد تدهورًا، والشعب يعاني في ظل أزمات متتالية منذ عام 2019، دون أي بوادر حل من الطبقة السياسية التي تعيش ترفًا سياسيًا وكأن البلاد في حالة طبيعية. ولا أحد يهتم لما يحدث في الجنوب ولبنان، بينما تستمر "حفلة الزجل" السياسي اليومية.
لبنان بحاجة إلى ثورة تقتلع هذه الطبقة السياسية الحاكمة وتقطع جذورها، لعل القدر يمنح هذا الوطن الصغير طبقة سياسية جديدة تضع مصلحة البلاد والعباد في رأس أولوياتها، فينعم لبنان بالسلام بعد كل هذه العذابات.

 

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )