جوزف بو هيا


لطالما تمتع حزب الله بنفوذ قوي على المستويين المحلي والإقليمي، إلا أنه يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة في ظل الأزمات الداخلية والتحولات الإقليمية. ورغم قوته العسكرية، يعاني الحزب من تراجع داخلي بفعل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة في لبنان، ما يجبره على إعادة تقييم سياساته لضمان استمراريته.

1. الأزمة الاقتصادية وتراجع الشعبية
الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب لبنان أثرت مباشرة على شعبية حزب الله، حتى بين بيئته الحاضنة. في السابق، كان الحزب يوفر خدمات اجتماعية وتعليمية وصحية بتمويل إيراني، ما عزز من مكانته. أما اليوم، ومع تراجع هذا الدعم بسبب العقوبات الدولية على إيران والانهيار الاقتصادي في لبنان، يواجه الحزب تحديات متزايدة في تقديم هذه الخدمات.

الضغوط الاقتصادية دفعت الحزب إلى الاعتماد على مؤسسات الدولة اللبنانية، ما زاد من الاستياء الشعبي. الحزب يعتمد بشكل متزايد على الموارد المالية اللبنانية لتعويض تراجع الدعم الخارجي، لكن هذا يفاقم من تآكل شعبيته، حيث بات يُنظر إليه كجزء من المنظومة السياسية التي ساهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية، ولم يعد يُرى كقوة "مقاومة" بقدر ما يُرى كأحد أقطاب السلطة.

2. التورط الإقليمي والعقوبات الدولية
تورط حزب الله في النزاعات الإقليمية، خاصة في سوريا واليمن، جلب عليه ضغوطاً دولية إضافية. دعمه لنظام الأسد في سوريا وتوسيع نشاطاته العسكرية بدعم إيراني جعلاه هدفاً للعقوبات الغربية والأمريكية.

هذه العقوبات تؤثر بشكل مباشر على قدراته المالية، إذ تقيّد تدفق الأموال من إيران وتزيد من عزلة الحزب عن النظام المالي العالمي. وإذا استمر الضغط الدولي على إيران، فقد يجد الحزب نفسه في موقف أكثر تعقيداً، مما سيضطره للبحث عن بدائل محلية لضمان استمراريته، ما قد يضعه في مواجهة مباشرة مع القوى السياسية والاقتصادية اللبنانية الأخرى.

3. التسويات الإقليمية وتأثيرها على الحزب
أحد أكبر المخاوف التي تسيطر على حزب الله هو التحولات الإقليمية والتسويات المحتملة التي قد تُعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة. أي تسوية حول الملف النووي الإيراني أو الصراعات الإقليمية، سواء في سوريا أو العراق، قد تضعف نفوذ إيران وتقلص دور الحزب.

على سبيل المثال، إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب، قد تضطر إيران إلى تقليص دعمها المالي والعسكري لحلفائها الإقليميين، بما في ذلك حزب الله. هذه التسويات قد تجبر الحزب على تقليص دوره العسكري والانتقال إلى لعب دور سياسي أكبر. ولتفادي هذا السيناريو، يسعى الحزب إلى تأمين موقعه الداخلي من خلال فرض رئيس جمهورية متحالف معه يحمي مصالحه.

4. التراجع العسكري واغتيال القادة
أحد أكبر الضربات التي تلقاها الحزب مؤخراً كان اغتيال فؤاد شكر، العقل المدبر للعديد من عملياته العسكرية ضد إسرائيل. هذا الاغتيال ترك فراغاً في القيادة العسكرية وأثر على فعالية العمليات. إضافة إلى ذلك، القدرات الإسرائيلية التكنولوجية والاستخباراتية المتقدمة أدت إلى إحباط العديد من محاولات الحزب الأخيرة، مما قلل من تأثيره العسكري.

في ظل هذا التراجع، يركز الحزب على تعزيز صورته كقوة مقاومة، ولكن هذه الاستراتيجية لم تعد كافية، خاصة مع تزايد الضغوط الإسرائيلية والدولية. هذا ما يدفع الحزب إلى إعادة التفكير في استراتيجياته العسكرية.

5. الإصرار على الحوار الرئاسي لضمان النفوذ
في ظل هذه التحديات، يسعى حزب الله إلى الحفاظ على نفوذه السياسي من خلال فرض رئيس جمهورية متحالف معه. الحوار الرئاسي الذي يصر عليه الحزب ليس مجرد محاولة لحل الأزمة الدستورية في لبنان، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لضمان بقاء الحزب في السلطة.

الحزب يُدرك أن انتخاب رئيس غير موالٍ له قد يعرضه لفقدان السيطرة على مؤسسات الدولة، ما قد يهدد دوره كقوة سياسية وعسكرية. لذلك، يعمل على تأخير العملية الرئاسية حتى يتمكن من فرض مرشح يضمن استمرارية نفوذه.

التكيف مع التحديات
حزب الله يواجه اليوم موقفاً حرجاً يتطلب إعادة النظر في استراتيجياته. الضغوط الدولية المتزايدة، تفاقم الأزمة الاقتصادية، والتحولات الإقليمية المحتملة، تضع الحزب أمام خيارات صعبة. إذا لم يتمكن من التكيف مع هذه التحولات، فقد يجد نفسه في موقف دفاعي أكثر، خاصة مع تزايد المطالب الداخلية لتقليص دوره العسكري.

في الوقت نفسه، لا يزال الحزب قوة لا يُستهان بها، خاصة إذا تمكن من الحفاظ على تماسكه الداخلي وتعزيز نفوذه السياسي. أما إذا استمر في تجاهل التحولات، فقد يجد نفسه في مواجهة مع القوى المحلية والدولية التي تسعى لتقليص دوره في المستقبل.

 

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")