وسيم جنبين


في الآونة الأخيرة، لفتت تصريحات حسن نصرالله، زعيم ميليشيا حزب الله، وعلي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأنظار وأثارت جدلاً واسعاً.
أعاد الأخير نبش القبور والقضايا العقائدية القديمة التي أغلقت منذ 1400 عام، مستخدماً إياها كوسيلة للتحريض الطائفي وإثارة المشاعر المذهبية. هذا الأسلوب يُعدّ السلاح الأفتك بين يدي ملالي إيران وأذرعهم منذ قيام هذا النظام، وسيظل كذلك كما أكد خامنئي في خطابه. هذا التأكيد يظهر أن هذه الأنظمة لا تستطيع أن تعيش إلا على الفوضى الخلاقة وثقافة الثأر القبلي وعقلية القرون الوسطى. خامنئي ركّز في خطابه على فكرة الحرب والانتقام من "اليزيديين"، في إشارة واضحة إلى أن العدو الأول له ولأتباعه هو أهل السنة العرب.
أما خطاب "درة تاج الرأس الإيراني" حسن نصرالله، فقد أظهر تماهياً مع وجود إسرائيل، إذ أبدى امتعاضه من بقاء نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية وناشد "الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة) للتدخل لإيقاف الحرب في غزة.
تلك التصريحات تبدو وكأنها تكتيك للهروب إلى الأمام، وهي تهدف إلى تجنب مواجهة الحقائق الصعبة والتحديات الفعلية التي قد تواجهها إيران وحزب الله في حال استمرار هذه الحرب الوجودية.


ادعاءات خامنئي وتحليل الواقع
في تصريحاته الأخيرة، أكد علي خامنئي أن "المعركة لا تنتهي أبداً"، مقسماً إياها إلى "الجبهة الحسينية" و"الجبهة اليزيدية". أشار إلى أن هذه المواجهة تأخذ أشكالاً مختلفة بحسب الزمان والمكان، خاصة في عصر الإنترنت والإعلام. يسعى خامنئي من خلال هذه التصريحات إلى تعزيز الروح العقائدية لدى أنصاره، وإبراز قوة الجبهة التي يقودها.
ولكن خلف هذه التصريحات يبدو أن خامنئي يمارس نوعاً من التكتيك للهروب إلى الأمام. فبينما يتحدث عن استمرار المعركة والانتقام، يتضح أنه يتجنب خوض حرب شاملة وحقيقية. هذا التناقض بين التهديد بالمعركة والخوف من الحرب الفعلية يكشف عن خوفه العميق من تداعيات النزاعات الواسعة التي قد تهدد استقرار النظام الإيراني.


سياسات حزب الله وإيران
يتجنب حسن نصرالله وعلي خامنئي الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، رغم الشعارات الكبيرة التي يرفعونها.
في الواقع، يخشيان من تداعيات هذه الحرب على النظامين الإيراني واللبناني. هذا الحذر يظهر من تصرفات حزب الله، حيث يتضح بجلاء أن نصرالله، مدفوعاً بالخوف من النتائج الكارثية لمثل هذه المواجهة، يتجنب التصعيد إلى صراعات أعمق. خاصة وأن الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة أصابت بعمق عناصر وقادة حزب الله من دون إنذار مسبق، كما شهدنا في الضربة الأخيرة التي استهدفت شاحنة أسلحة في بعلبك، بينما تم إبقاء السائق المدني حياً وإجباره على الابتعاد إلى مسافة آمنة.


الضغط الداخلي والتظاهر بالقوة
يواجه كل من حسن نصرالله وعلي خامنئي ضغوطاً متزايدة من داخل دوائرهما السياسية والعسكرية، حيث تتطلع هذه القوى إلى إجراءات ملموسة وردود فعل حازمة في مواجهة التهديدات الخارجية، خصوصاً من إسرائيل. في ظل هذه الضغوط، يلجأ الزعيمان إلى استعراضات القوة وإطلاق الشعارات الكبيرة كوسيلة لإظهار صلابتهما أمام جمهورهما ومؤيديهما. هذه الأفعال الاستعراضية تهدف إلى إقناع الداخل بأنهما ما زالا متمسكين بخطهما المقاوم وقادرين على الدفاع عن مصالحهما.
ومع ذلك، فإن وراء هذا المظهر القوي تكمن حقيقة أكثر تعقيداً. خامنئي ونصرالله يدركان جيداً خطورة اتخاذ إجراءات فعلية ضد التهديدات الخارجية، خاصة إذا كانت تلك الإجراءات قد تؤدي إلى تصعيد عسكري شامل. هذا الخوف من التداعيات الكبيرة لأي مواجهة عسكرية يدفعهما إلى تبني نهج أكثر تحفظاً، رغم الرغبة الظاهرة في التصدي والتحدي. بذلك، يسعيان إلى تجنب الانتقادات سواء من الداخل أو من الخارج، بينما يستمران في تعزيز صورتهما كقادة أقوياء لا يهابون المواجهة.


الخلاصة
يبدو جلياً أن علي خامنئي وحسن نصرالله يتجنبان الدخول في حروب شاملة وعميقة، إدراكاً منهما أن نتائج تلك الحروب قد تؤدي إلى سقوطهما. رغم الشعارات والادعاءات الكبيرة التي يطلقانها، فإنهما يحرصان على تجنب دفع الثمن الباهظ لمثل هذه النزاعات. هذا النهج يشكل جزءاً من استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تصدير الأزمات وإشعال النزاعات المؤقتة والفوضى الخلاقة، التي تبدو مصممة فقط للحفاظ على السلطة والمصالح الخاصة.
تصريحات خامنئي الأخيرة، التي تؤكد على استمرار المعركة والانتقام، قد تكون مجرد تكتيك لتحويل الانتباه وزيادة الضغط على الأعداء والمناصرين الداخليين. في الحقيقة، فإن الخوف العميق من عواقب الحروب الواسعة يدفعه إلى تجنب اتخاذ خطوات جدية. هذا التناقض بين الخطاب والأفعال يعكس هشاشة الموقف الذي يواجهه الزعيمان، حيث يسعيان للحفاظ على مظهر القوة دون الدخول في مواجهات حقيقية قد تهدد استقرار سلطتهما.

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News").


المصدر : Transparency News